يأمل صالح (50 عاما)، المحكوم عليه بالسجن 30 عاما في المغرب على خلفية قضية إرهاب، معانقة الحرية قريبا بعد “مصالحته” مع ذاته والمجتمع، بفضل برنامج ساعده على مراجعة الأفكار المتشددة التي قادته إلى السجن.
ويقضي الرجل أيامه وراء القضبان، منذ اعتقاله عام 2002، والحكم عليه بالإعدام بسبب “الانتماء لخلية إرهابية وتمويل مشروع إرهابي”، قبل أن يخفض الحكم إلى السجن 30 عاما إثر استفادته من برنامج “مصالحة”.
ويستهدف البرنامج، الذي تنظمه المندوبية العامة للسجون ومؤسسات رسمية أخرى منذ 2017، الراغبين في مراجعة أفكارهم بين المدانين في قضايا التشدد الديني.
ويقول صالح من داخل مكتبة سجن القنيطرة، الواقع في شمال الرباط: “آمنت بأفكار اعتقدت أنها الصواب بما فيها العنف… أحمد الله أن يدي لم تتلطخ بالدماء”.
وقد تعرّف على هذه الأفكار في إيطاليا التي هاجر إليها في تسعينيات القرن الماضي “بواسطة شيخ مسجد من “الجماعة الإسلامية” المصرية”، على حد قوله.
ومنذ 2002، اعتقلت السلطات المغربية أكثر من 3500 شخص وتمّ تفكيك أكثر من ألفي خلية من الإسلاميين المتشددين، بحسب أرقام رسمية. ووجهت إليهم اتهامات مختلفة، من بينها الانتماء إلى “تنظيمات إرهابية” والتخطيط لعمليات تزعزع الأمن.
والتحق 1662 مقاتلا مغربيا بالتنظيمات المتشددة منذ اندلاع الحرب في سوريا، وفق مصدر أمني بالرباط.
ويقول، محمد دمير، الذي حكم عليه بالإعدام، عام 2003، بعد إدانته بالانتماء إلى خلية “إرهابية”، إن عددا ممن يتم اعتقالهم “يكتشفون حاجتهم للتخلص من الأفكار التي تسيطر عليهم عندما يختلون بذواتهم”.
“الصدق مع النفس”
ولم يشعر دمير (47 عاما) بالحاجة للتساؤل حول معتقداته إلا بعد سبعة أعوام على توقيفه، لكن في المراجعة “كنت صادقا مع نفسي كما كنت صادقا حين آمنت بتلك الأفكار المنحرفة”.
وبدأ حينها مسارا طويلا لإقناع المسؤولين “بأن يمدوا لنا يد المساعدة”، ما قاد إلى خفض عقوبته عام 2011 إلى 30 عاما سجنا، ثم أفرج عنه في 2017، بعد مشاركته في أولى دورات برنامج “مصالحة”.
ويوضح المسؤول في المندوبية العامة للسجون، إدريس أكلمام، أن البرنامج كان “ثمرة مقاربة جديدة منذ 2015 شملت تتبع تطور هؤلاء السجناء وسلوكياتهم، وفتحت باب التفكير لمساعدة الذين عبّروا عن حاجتهم لمن ينير الطريق أمامهم”.
واستفاد من البرنامج حتى الآن 207 معتقلين بينهم 8 نساء، وأفرج عن 116 منهم وخفضت عقوبات 15 آخرين. ويستمر البرنامج لكل معتقل قرابة ثلاثة أشهر.
ويشمل البرنامج محاضرات دينية يلقيها مؤطرون من الرابطة المحمدية للعلماء (رسمية)، وأخرى في القانون والاقتصاد ومرافقة نفسية للمعتقلين ولكن لا يقتصر عليها.
“اهتمام” شركاء أجانب
ويشمل البرنامج أيضا محاضرات في القانون والاقتصاد ومرافقة نفسية للمعتقلين. ويتابع أكلمام: “لاحظنا اهتمام شركائنا الأجانب بالبرنامج”، مشيرا الى أنه “يمكن أن يكون مصدر إلهام لبرامج مماثلة تناسب خصوصياتهم”.
ويقول مسجون آخر شارك في البرنامج يدعى صالح إنه اكتشف مبادئ حقوق الإنسان و”أن جلها ليس غريبا عن جوهر الإسلام”، مضيفا “صحيح هناك بعض التحفظات مثل الحق في الإجهاض، لكنها موجودة أيضا لدى مجتمعات غير مسلمة”.
وقرّر دمير بعد انضمامه إلى البرنامج دراسة القانون بالفرنسية من داخل السجن. ويقول “كنت أكفر بالقانون الوضعي، فإذا بي أكتشف فكرة العقد الاجتماعي التي تتيح للجميع العيش في سلام، ما دمنا مختلفين بالضرورة”.
ويضيف: “عندما قرأت جان جاك روسو وفولتير وجدت أن أفكارهما غير بعيدة في العمق عن مقاصد الإسلام”.
وسار دمير بعيدا في رحلة الخروج من التشدد ليلتحق بعد الإفراج عنه بطاقم الرابطة المحمدية للعلماء الذي يشرف على الشق الديني لبرنامج “مصالحة”. ويحاول اليوم مساعدة متشددين يرغبون في التحرر من الأفكار المتشددة.
ويواجه أحيانا أشخاصا عنيدين “هم في الغالب ذوو معرفة دينية محدودة” فيضطر لمحاججتهم بنصوص وتفاسير من التراث الديني، لكنه يركز على “مساءلة الصدق في نفوسهم لإقناعهم أنهم لن ينالوا رضى الله باتباع هذه الطريق، إذا كانوا فعلا صادقين في ابتغائه”، على حد تعبيره.
المصدر: وكالة فرانس برس