أشكور يكتب: هل منعت الداخلية الصحافة الإلكترونية من العمل ليلا برمضان؟
لعبت الصحافة الإلكترونية دورا مهما في اندلاع الثورات الشعبية في بعض الدول العربية او ما يسمى بالربيع العربي ، ومن خلالها أيضا أحبطت محاولة الانقلاب في تركيا وخرج الشعب في ثورات شعبية ملبية طلب حاكم البلاد ، ومنددة بانتهاك الشرعية والديمقراطية في البلد ، وهنا يتجلى دور هذه الوسائل في انتشار المعلومات وفي استقرار الشعوب بما هي سلطة رابعة مؤثرة .
وبالمغرب وخلال حالة انتشار وباء فيروس كورونا وقبل انتشاره ، لعبت الصحافة الإلكترونية دورا مهما في التعريف بالوباء ، والتحسيس بطرق الوقاية ولزوم البيت ، وكذا نشر روح التفائل في صفوف المواطنين ومساعدتهم على التوصل بكل مجهودات الدولة سواء تعلق الأمر بعمليات الدعم او توفير المواد المعقمة وتأهيل المستشفيات والفنادق لايواء المصابين المحتملين ، وتوفير المواد الاستهلاكية بالأسواق حتى لا تعم الفوضى والجشع ، فأصبحت الصحف الالكترونية فاعل أساسي في مكافحة الوباء كما كانت قبل ذلك في الحالات العادية ، إلا أن وزارة الداخلية ومن خلال بلاغ أصدرته يوم الجمعة 24 أبريل2020 كان لها رأي آخر في قرار حضر التنقل ليلا يوميا من الساعة السابعة مساءا الى الساعة الخامسة صباحا خلال شهر رمضان عندما استثنت من المنع المؤسسات الإعلامية العمومية والاذاعات الخاصة ، وبالتالي ومن خلال منطوق البلاغ تعد الصحافة الإلكترونية المهنية ممنوعة من التنقل ونقل الخبر كما كانت تفعل منذ بداية انتشار الوباء ، وكما هو معلوم ان المؤسسات الإعلامية العمومية هي 2m ، والقناة الأولى ، و MAP أي المؤسسات العامة التي تدعمها الدولة ، والإذاعات الخاصة كإذاعات الراديو . ومن المعلوم أيضا أن الإعلام العمومي هو اعلام موجه فقد مصداقيته بشكل كبير لصالح الصحافة الإلكترونية التي تميزت بنوع من الإستقلالية منحها الحق في اكتساب ثقة جزء كبير من المواطنين ، وبالتالي تكون وزارة الداخلية قد جانبت الصواب ان لم تكن خرقت قانون الصحافة والنشر ودستور المملكة ،وضربت عرض الحائط المواثيق الدولية والقوانين التي تنص على حرية التعبير واحترام وحماية الصحفيين .
بالعودة لدستور المملكة الصادر في 2011 في فصله 25 الذي ينص على أن حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها ، ونص أيضا في الفصل 28 على أن حرية الصحافة مضمونة ، ولا يمكن تقييدها باي شكل من أشكال الرقابة القبلية ، للجميع الحق في التعبير ونشر الاخبار والافكار والاراء بكل حرية ومن غير قيد ، عدا ما ينص عليه القانون صراحة ، وبالرجوع للقانون 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحفيين المهنيين المنشور بتاريخ 2016 ، والذي عرف الصحفي المهني في مادته الأولى ” كل صحفي مهني يزاول مهنة الصحافة بصورة رئيسية ومنتظمة في واحد أو أكثر من مؤسسات الصحافة المكتوبة أو الإلكترونية او السمعية البصرية او وكالات الانباء عمومية كانت او خاصة التي يوجد مقرها الرئيسي بالمغرب ويكون اجره الرئيسي من مزاولة المهنة ، معنى ذلك ان المشرع المغربي لم يميز الصحفي عن اخر في كل هذه المؤسسات سوى بصفة الصحفي المهني اذا كان يشتغل بمقاولة صحفية سواء كانت مكتوبة أو مسموعة او بصرية مقرها بالمغرب ، فما الفرق بين الصحفي المهني بقناة معينة وصحفي مهني بجريدة إلكترونية ؟ بل ان المشرع المغربي ساوا بين أصحاب الجرائد والمكتوبات الدورية ووسائل الإعلام السمعية والبصرية والالكترونية في المسؤولية المدنية ، فلا يعقل ان نساوي بين الصحفي المهني في قناة معينة من ناحية المسؤولية المدنية وبين صحفي اخر مهني بجريدة إلكترونية ولا نعطيهم نفس الحقوق المتمثلة في جمع الاخبار او المعلومات او الوقائع او التحري او الاستقصاء عنها بطريقة مهنية حسب المادة 2 من قانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر الذي اعتبر أن حرية الصحافة مضمونة في مادته 3 وقال انها تمارس طبقا للدستور ووفق الشروط والشكليات الواردة في قانون 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحفيين المهنيين وقانون 90.13 المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة ، أيضا المادة 7 من قانون 88.13 الزمت الدولة بضمان حرية الصحافة وترسيخ الديمقراطية وتعددية الاعلام وتعمل على الالتزام بها .
من جهة أخرى أغلب الدساتير العربية تنص على” حرية الرأي وحرية الصحافة ” ، ونجد هذا النص على سبيل المثال وليس الحصر في دستور الاردن مادة 15 ، ودستور مصر مادة 47 و46 ، دستور لبنان مادة 13 ، دستور الكويت مادة 36 و37 ، ودستور تونس في مادته 8 ، أيضا نجد البند 19 من ميثاق الأمم المتحدة الذي يعتبر الركن الأساسي للمعايير الدولية الخاصة بوسائل الاعلام ، ينص على أنه لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير عنه ، ويتضمن هذا الحق حرية اعتناق الاراء بدون تدخل خارجي وحرية البحث وتلقي وتوزيع المعلومات والأفكار بكافة وسائل النشر والإعلام وبصرف النظر عن الحدود . والدول الأعضاء في الأمم المتحدة ملزمة بالتقيد بالميثاق بما في ذلك البند 19 ، والمغرب طبعا احد هذه الدول يجب عليه احترام هذا البند وغيره ، المحكمة الأوربية لحقوق الانسان سنة 2010 أيضا أقرت أنه يلزم لحرية الصحافة حماية خاصة كي تتمكن من لعب دورها الحيوي المنوط بها وتقديم المعلومات والأفكار التي تهم الرأي العام .
اعتبر أيضا قرار 1738 لمجلس الامن الدولي الصحفيين والمراسلين المستقلين مدنيين يجب احترامهم ومعاملتهم بهذه الصفة ، كما أن المادة 4 (أ 4 ) من إتفاقية جنيف الثالثة والمادة 79 من البروتوكول الاختياري الإضافي الأول تكفل حماية الصحفيين والمراسلين حتى في حالات النزاعات المسلحة ، حيث تنص المادة 79 على ان الصحفيين يتمتعون بجميع الحقوق وأشكال الحماية الممنوحة للمدنيين في النزاعات المسلحة الدولية ، بمعنى ان العمل الصحفي مضمون ومحمي ومحترم حتى في حالة الحرب ، فبالأحرى المغرب يعيش حالة من الوباء يشارك في مكافحته جميع القطاعات لذلك فإن بلاغ وزارة الداخلية وضع نفسه في ميزان شريعة الصحفيين المهنيين .
ذ. محمد أشكور
محامي متمرن بهيئة المحامين بتطوان
التعليقات مغلقة.