الطالبي العلمي يعرض حصيلة مؤقتة لمجلس النواب
السيد الوزير،
السيدات والسادة النواب،
السيدات والسادة،
إعمالا لمقتضيات دستور المملكة والنظام الداخلي للمجلس، نختتم اليومَ أشغال الدورة التشريعية الثانية من السنة التشريعية الثانية من الولاية الحادية عشرة على مستوى الجلسات العامة، بعد حوالي مائة يوم من العمل حرصنا خلالها على أن تكون مداولاتُنا وجلساتنا واجتماعاتنا على كافة المستويات مُنتِجة وذاتَ مردودية.
وإذ يصادف اختتام هذه الدورة احتفالَ الشعب المغربي بعيد العرش المجيد الذي يخلد هذه السنة للذكرى الرابعة والعشرين لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله على عرش أسلافه المنعمين، فإنني أغتنم هذه المناسبة الوطنية الغالية لأرفع، باسمكم جميعا، آيات الولاء والإخلاص إلى جلالته متضرعا إلى العلي القدير بأن يحفظ جلالته وينصره ويُديم عليه رداء الصحة والعافية وأن يُقر عينه بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن وكافة أفراد الأسرة الملكية الشريفة.
وإنها لَمناسبةٌ أيضا للتعبير عن الفخر والاعتزاز بما يُحققُه المغربُ تحت القيادةِ الحكيمة لجلالتِه من تقدم ونَماء، وبما خطته بلادنا من خطوات على طريق تثبيت تموقعها الإقليمي والقاري والدولي، شريكا صادقا وموثوقًا مساهما في بناء السلام وتحقيق التنمية وميسرا للحوار بين الدول والحضارات والثقافات مدافعًا عن العدل والحق.
السيدات والسادة،
إذا كان التقليدُ المؤسساتي يقتضي بأن نُخَصِّصَ مثلَ هذه الجلسات لتقديم جَردٍ تحليلي لحصيلة أعمالِنا، فإن العناوينَ العريضةَ التي يُمكنُ أن تُؤَطّرَ هذه الحصيلة، تتمثل في اجتهادنا وحرصنا في أجهزة المجلس، وكافة مكوناتِه معارضةً وأغلبيةً، على أداءِ اختصاصاتِنا الدستورية ومهامنا ووظائفنا، أولا في احترام دقيق لمقتضيات الدستور والنظام الداخلي للمجلس، وثانيا في إطار الانضباط للآجال الدستورية والمؤسساتية ونحن نؤدي مهامنا، وثالثا في الحرص على جعل محتوى أعمالنا متفاعلا مع السياقات الوطنية والدولية ومع انتظارات المجتمع المغربي، في تجسيدٍ عملي لمفهومِ البرلمان المتفاعل مع الطموحات والأحداث، وحيث تجد أحداث وقضايا المجتمع صداها الطبيعي.
إن الأمر، حضرات السيدات والسادة، يتعلق بتحقيق ممارستنا البرلمانية درجة عاليةً من النضجِ، والكثافةِ، والانْسيابية، والجودة والمردودية، ما يجعلها اليوم ممارسة برلمانية تتوفر على كافة مقومات التفرد في تطابق تام مع معايير الديموقراطية البرلمانية خلال القرن الواحد والعشرين كما تصورها وبلورها الاتحاد البرلماني الدولي في عدد من إطاراته ووثائقه المرجعية.
ويتأكدُ هذا التَّفردُ، وهذا التميُّزُ الراسخ، من خلال قدرة نموذجنا المؤسساتي البرلماني على الجمع في الآنِ معًا بين العمل البرلماني التقليدي الأصيل وتقاليدنا المؤسساتية من جهة، ومتطلبات الديموقراطية الجديدة كما يفرضها السياق الجديد، والحاجيات المجتمعية المستجدة وأشكال الوعي الملازمة لها، وأنماط التفكير الناجمة، بالخصوص، عن التطور الهائل في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والتواصل، من جهة أخرى.
وإن مما يدعو إلى الاعتزاز، ويُحفزنا جميعًا على الحرص على صيانة هذا النموذج المؤسساتي الوطني، هو كونُه يترسخُ، ويتقوى ويزدهر، ويجتهد، في سياق إقليمي ودولي تُصَاب فيها بعض الديموقراطيات بالعياء فيما لا تزال العديد من البلدان تعيش أسئلة وهواجس النموذج. وإذا كنا لا ندعي الكمال في ما وصلنا إليه، فإن صعودَنا كقوة ديمقراطية جديدة مبتكرة هو اليومَ حقيقةٌ راسخةٌ أمكننا بلوغُها بفضل الإصلاحات المتراكمة، وأساسا بفضل الدور الرائد لملكيتنا الدستورية الديموقراطية الاجتماعية، اللحمة الأساس للتماسك المؤسساتي والاجتماعي ومرتكز ثقافة التوافق.
حضرات السيدات والسادة،
اسمحوا لي أن استعرضَ معكم بعضًا من مَعَالِمِ تَفَرُّدِ النموذجِ المؤسساتي الوطني هاته كما هي مُجَسَّدَةٌ في حصيلةِ الدورة التشريعية الثانية من السنة التشريعية الثانية، حصيلة ساهمت فيها مختلف مكونات المجلس السياسية، معارضةً وأغلبية، وأجهزته بالتعاون والتكامل مع باقي السلطات والمؤسسات الدستورية. وقد كان الخيطُ الناظِمُ في كل ذلك، هو التفاعلُ مع السياق الوطني، وجعل أشغالنا مستجيبةً للانتظارات، ومجيبة عن الأسئلة الكبرى المطروحة في المجتمع من خلال التأطير التشريعي للإصلاحات، ومراقبة أعمال الحكومة وتقييم السياسات العمومية بالتركيز على الأولويات المطروحة في الأجَنْدة الوطنية.
ففي مجال التشريع، وارتباطا بالسياق الاجتماعي، صادق مجلس النواب على ثمانية مشاريع قوانين تأسيسية تؤطر التغطية الصحية وحكامة القطاع وتمكينه من المؤسسات والموارد البشرية التي تتولى تطويره وتجويد خدماته، ومأسسة البحث العلمي في مجال الصحة.
وتتوخى هذه النصوص تعزيز مرتكزات الدولة الاجتماعية وتيسير الولوج إلى الخدمات الصحية ودمقرطته عبر التوطين الترابي للمؤسسات ومن خلال الرقمنة، وإحداث الدعامات الإدارية والتقنية الكفيلة بتطوير القطاع وضمان استدامته وعصرنته. وتهدف من جهة أخرى، وهذا أمر أساسي، إلى زيادة جاذبية القطاع وتحفيز الموارد البشرية وتثمينها من خلال تكريس مفهوم الوظيفة الصحية ومراعاة خصوصياتها ونبلها.
وتندرج المصادقة على هذه النصوص في إطار استكمال بناء الدولة الاجتماعية الذي تسارع واتسع نطاقه منذ أكثر من عشرين سنة إعمالا للحقوق الاجتماعية وللتعاضد والتضامن المكفولة في دستور المملكة وفي المواثيق الدولية، وفق رؤية جلالة الملك في مجال الحماية الاجتماعية.
وباعتماد هذه النصوص تكونُ بلادُنا بصدد تتويج مسار من تراكم الاصلاحات الاجتماعية وبناء منظومة صحية جديدة عَصَبُها المرفق العمومي، والتعميم والتجويد، وترسيخ السيادة الدوائية والصحية عامة بما هي جزء من السيادة الوطنية بمختلف مداخلها مستخلصة الدروس من جائحة كوفيد 19.
ومن جهة أخرى، شكلت مصادقة المجلس على عدد من مشاريع القوانين يُوافَقُ بموجبها على اتفاقيات دولية ثنائية ومتعددة الأطراف، جزء هاما من الحصيلة التشريعية خلال دورة أبريل 2023. وتعكس هذه الاتفاقيات مكانةَ المملكة على الصعيدين الدولي والقاري والإقليمي وتموقُعَها كشريك دولي ملتزمٍ وصادقٍ ومنفتحٍ على شراكات متنوعة وفاعل في المنظمات الدولية.
وبجانب هذه النصوص صادقنا على أخرى تأسيسية أو تُعَدِّلُ قوانين سارية، تغطي مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ليصل عدد النصوص التي صادق عليها المجلس برسم الدورة 34 نصا. وبطبيعة الحال، فإن هذه المصادقة ليست غاية في حد ذاتها، إذ سيكون علينا في إطار اختصاصاتنا الرقابية، تتبع تطبيق القوانين وتَبَيُّن أثرها وتقييم وقعها على المجتمع.
ومن جهة أخرى، سيكون علينا، في إطار من التوافق المؤسساتي والوضوح، الانكباب على تَيْسِير انسيابيةِ الحَسْمِ في مقترحات القوانين التي تَقَدَّمَ ويَتَقَدَّمُ بها السيدات والسادة النواب في إطار مبادراتهم التشريعية التي ما زلتُ أُؤمِنُ بأهميتِها وبدورها في إثْراءِ التشريعِ الوطني، فضلا عن أنها ممارسةٌ لاختصاصٍ دستوري للبرلمانيين.
حضرات السيدات والسادة :
في ما يتعلق بمراقبة العمل الحكومي لا يمكن لأي مراقب موضوعي إلا أن يثمن أداءَ المجلس وحرصَه على توظيفِ مختلفِ مداخلِ الرقابة، مما يُجَسِّدُ تفاعلكم وتفاعلكُنَّ، أنتم أعضاءُ المجلس، مع قضايا المجتمع وانشغالات الناس.
هكذا خصصنا الجلسات الثلاث التي يُجيب فيها السيد رئيس الحكومة على أسئلة أعضاء المجلس طبقا لأحكام الفصل 100 من الدستور، لسياسات عامة تكتسي راهنيةً كبرى وتتسمُ بالاستراتيجية من قبيل السيادة الغذائية التي استحضرتُم أهميتها في السياقِ الدولي الراهن المُتَّسِم بالتنافس لضمان الأمن الغذائي وتأمين التموينات في السوق الدولية، ومن قبيل التعليم العالي والاستثمار فيه وإعداد بلادنا للمستقبل حيث ستكون المعرفةُ والمهاراتُ والوعيُ البشري عواملَ حاسمة في التقدم والتنمية. وقد خصصنا آخر جلسة من هذه الجلسات لسبل تسريع وتجويد التمكين لنساء المغرب، وهو موضوع يحظى باهتمام كبير في المجتمع المغربي، وموضوع عناية سامية من جانب صاحب الجلالة.
واستأثرت قضايا الصحة، وأداء المرفق العمومي الطبي، وبرامج الدعم الاجتماعي، وبُعْد الاستدامة في التنمية، ومواجهة الاختلالات المناخية، والتعليم بكافة مستوياته، وأدوار المجتمع المدني في التنمية، باهتمام أعضاء المجلس في جلسات الأسئلة الأسبوعية الموجهة إلى أعضاء الحكومة، وهي الجلسات التي بلغ عددها عشر جلسات، احتلت فيها إشكاليات المياه، ووضعية الفلاحة المغربية في سياق الجفاف وانعكاسات الاختلالات المناخية على الوضعية المائية وعلى الفلاحة الوطنية، مساحة هامة في الحوار بين السلطات التشريعية والتنفيذية. وبالأرقام برمجنا وناقشنا خلال هذه الجلسات 340 سؤالا من مجموع 855 سؤالا المتراكمة، أي بنسبة برمجة تبلغ حوالي 40%.
ومن جهة أخرى تواصَلَ الاستعمالُ الناجع للأسئلة الكتابية كوسيلة لمساءلة أعضاء الحكومة حول قضايا جهوية ومحلية لا تقل أهميةً عن قضايا السياسات القطاعية، من قبيل البناء والتعمير، وتدبير النفايات، والخدمات الاجتماعية، والتجهيزات الأساسية.
في هذا الصدد أحصينا حوالي 2700 سؤالا كتابيا وجهه أعضاء المجلس للحكومة التي رد أعضاؤها بــ 1331 جوابا، بنسبة تفاعل مؤسساتي بلغت حوالي 50%.
وتَوَاصَل العمل الرقابي من طرف اللجان النيابية الدائمة من خلال مناقشة عروض والاستماع إلى توضيحات أعضاء الحكومة ومسؤولي المؤسسات العمومية حول قضايا راهنة بناء على طلبات أعضاء الفرق والمجموعة النيابية الذين تقدموا بما مجموعه 63 طلبا لدراسة 51 موضوعًا تدارستها اللجان النيابية جميعها. وكانت هذه المناقشات مناسبات لحوار هادف وعميق ما من شكٍ في أنه سيُثْري ويُجَوِّدُ السياسات العمومية.
وفي نفس الشق الرقابي، وعلى أساس نجاعة ومردودية المَهَمَّات الاستطلاعية رخص المجلس خلال هذه الدورة لمهمتين استطلاعيتين، فيما أنهت أربع مَهمّات استطلاعية أشغالها.
ولا تخفى عليكم أهميةُ هذه الآلية الرقابية في جمع المعلومات وتشخيص جوانب النقص والقوة في الأنشطة أو القطاعات التي تشتغل حولها. إن الأمر يتعلق برافد أساسي للعمل الرقابي يتعين علينا الحرصُ على نجاعتِهِ وتسريعهِ وتيسير انسيابيته والانضباطُ لمقاصده وحدوده.
ويعكسُ هذا المَيْلُ أكثر إلى أعمال الرقابة على العمل الحكومي من جانب اللجان النيابية حِرْصا من جانب أعضاء المجلس على تتبع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ونقل انشغالات مختلف الفئات والقطاعات إلى صُلْبِ النقاش المؤسساتي، أي إلى إطاره ومكانه الصحيح حيثُ ينبغي التوافُقُ على الحلولِ وإيجادُ المخارجِ على أساس الحوار والتوازن والتعاوُن بين السلط.
السيدات والسادة،
قبل أقل من أسبوع احتضنت قاعة الجلسات العامة هاته، مناقشات هامة، متميزة، مواطنة، أجمَعْتُمْ على قيمتها، وتَجَسَّدَ فيها توافقُ مكوناتِ المجلس والحكومة حول خلاصات تقريرين تَوَّجَا عمليتيْ تقييم سياستين عموميتين مَفْصَلِيَتَيْن في سياقِنا التنموي. أَقْصِدُ، كما تعلمون ذلك، مناقشةَ تقريريْ المجموعة الموضوعاتية التي كُلِّفت بتقييم السياسة المائية، وتلك التي كلفت بتقييم إنجاز الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة 2018-2021.
وسواء تعلق الأمرُ بالسياسية المائية أو الإصلاح الإداري، فإننا إزاء التفعيل الأمثل لمقتضيات الدستور الذي يكفل للمجلس اختصاصَ تقييمِ السياسات العمومية، وبالتفاعل مع السياق الوطني، ومع انشغالات الرأي العام، وبِعَمَلٍ يتوخى تحقيقَ جودةِ السياسات العمومية وحكامةِ المرفق العمومي.
ومن جهة أخرى، ينبغي أن نسجلَ أن المجلسَ ينكبُّ على تقييمِ تطبيقِ القانون 13-103 بشأن مكافحة العنف الممارس على النساء، وهي المرة الأولى التي تُخضع فيها المؤسسة التشريعية قانونا ساريا للتقييم بغية تَبَيُّنِ أثرِه وَوَقْعِه على الحد من الظاهرة، وما يستتبعها من آثار وخيمة على المجتمع. وتكريسا لحكامة أدائنا ينبغي أن نجعل من تقليدِ تقييم تطبيق القوانين جزء من ممارستنا البرلمانية.
السيدات والسادة :
في واجهة الدبلوماسية البرلمانية والعلاقات الخارجية، واصل مجلس النواب حضورَه الفاعلَ والمؤثِّرِ في المحافل البرلمانية متعددة الأطراف الدولية والقارية والإقليمية، مُرسخًا لنهجِه المُبادر والمُبْتكِر في تعاطي المجموعة البرلمانية الدولية مع الأحداث والأزمات والقضايا التي تجثُم على العلاقات الدولية.
في هذا الصدد، يَجْدرُ بي التذكيرُ بالمؤتمر البرلماني الدولي الذي نظمُه البرلمان المغربي والاتحاد البرلماني الدولي ومؤسسات دينية، تحت الرعاية السامية لأمير المؤمنين صاحب الجلالة نصره الله بمراكش خلال الفترة ما بين 13 و15 يونيو 2023، حول موضوع “حوار الأديان : التعاون من أجل مستقبل مشترك”، والذي تميز بالرسالة الملكية السامية التي وجهها جلالته إلى المشاركين فيه. وستظلُّ هذه الرسالةُ الملكية وثيقةً تاريخيةً مرجعيةً غنيةً من حيثُ تشخيصُها لموقعِ حوارِ الأديانِ في العلاقات الدولية وبينَ الحضارات والشعوب، وما حَمَلَته من رسائل ورؤية حَصِيفَة، ومن حيثُ ما اقترحَتْه من آلياتِ عملٍ لتيْسِير هذا الحوار، وجعل البرلمانات تنهض بأدوارها في درء مخاطر الصراعات الدينية والعقدية، والكراهية.
وقد كانت الرسالة الملكية السامية أيضا، ملهمة للمشاركين في هذا المؤتمر، والذين تجاوز عددهم 500 مشارك من مختلف الأديان والعقائد، والمدارس الفكرية والاتجاهات السياسية، في النقاشات الخصبة التي شهدها المؤتمر، وخاصة في البيان الختامي (إعلان مراكش) الذي توج أشغال المؤتمر.
ومن جهة أخرى، واصلنا الحرص على أن تظل قضايا قارتنا الإفريقية حاضرة في أجندة الدبلوماسية البرلمانية المغربية من خلال الترافع عن قضايا إفريقيا في المحافل البرلمانية متعددة الأطراف والدفاع عن تحقيق العدالة لإفريقيا وهي تواجه الآثار الكارثية للاختلالات المناخية، وظاهرة الهجرة، وتتطلع إلى السلم والأمن.
في هذا الصدد أشير إلى الندوة التي احتضنها المجلس يومي 6 و7 يوليوز 2023 حول التعاون البرلماني الإفريقي في ظل التحديات الراهنة بمشاركة رؤساء لجان الخارجية في البرلمانات الوطنية الإفريقية، والتي كانت مناسبة لنقاش هادئ مَكَّنَ من التوافق حول عدد من الأفكار واقتراح مخارج لبعض مُعْضِلات القارة كمساهمة برلمانية متواضعة اعتمدت في وثيقة مكثفة تحت مسمى “بيان الرباط” للجان الخارجية بالبرلمانات الإفريقية.
وقد كانت هذه المنتديات وغيرها، من اللقاءات البرلمانية التي تحتضنها بلادنا، عربونًا دوليا آخر على الثقة التي تحظى بها بلادنا على المستوى الدولي. وفي سياق دولي معقد وصعب، وفي سياق إقليمي تنخره النزاعات والأزمات، قليلة هي البلدان التي تكون قادرة على احتضان هذا الكم من المؤتمرات الدولية والإقليمية الحكومية والبرلمانية، المدنية والسياسية والاقتصادية والخدماتية، ولَمِّ أطياف من مختلف الاتجاهات والأعراق تحت سقفٍ واحد لمناقشة قضايا تَرْهن حالَ ومستقبلَ البشرية.
وتعكس هذه القدرة، وهذا الاقتدار، تموقع بلادنا الإقليمي والدولي ومصداقيتها والتزامها الصادق بالدفاع عن الأمن والسلم والتعايش، كما تعكس الثقة التي تحظى بها والاعتراف بالاستقرار والأمن الذي تنعم به.
وإذا كان المجال لا يتسع لسرد حصيلة المجلس في واجهة العلاقات الخارجية والدبلوماسية البرلمانية، والتي تمثلنا فيها دائما، وتقيدنا بالعقيدة الدبلوماسية المغربية كما رسمها ويرعاها صاحب الجلالة، فإنه لا بد من التذكير ببعض الثوابت التي توجهنا في السياق الراهن :
يتعلق الأمر أولا بتجديد رفضنا المطلق لما يصدر عن بعض المؤسسات الأوروبية، وبالتحديد البرلمان الأوروبي، من تشهير وتشنيع واستهداف مجاني لبلادنا، وهو ما يُخفي حُنْقَ بعض الطَّيْفِ السياسي في هذه المؤسسة من نجاحاتِ وتَمَوْقُع بلادنا المقتدر. ولئن كنا متشبثين ونرحب بالحوار مع السلطات السياسية لهذه المؤسسة، فإننا نعيد التأكيد على أن يتم ذلك في إطار الاحترام المتبادل والندية والالتزام بالتعاقدات، والصدق.
ويتعلق الأمر ثانيا بالتأكيد على أنَّ حقَّنا في تنويع شراكاتنا وتأمين مصالحنا الوطنية واختياراتنا الاستراتيجية، هو حق سيادي مطلق لن تثنينا عنه أي قوة وأي مكائد، وأن محاولة تغليف التدخل في شؤوننا الداخلية، بافتراءاتٍ مفضوحة واختلاق الأزمات، ما عاد ينطلي على العقلاء من السياسيين ومن أعضاء المجموعة الدولية.
ويتعلق الأمرُ ثالثا بثابِتٍ وطني، لا نقاش فيه، يتمثل في أن القضية الوطنية والموقف منها هو معيار علاقاتنا الدولية، واقتداء بِــ، وتنفيذًا لتأكيد صاحب الجلالة حين قال “إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”. انتهى كلام صاحب الجلالة.
وقد كانت قضية وحدتنا الترابية، وستظل، في صدارة اشتغالنا في واجهة العلاقات الخارجية واتصالاتنا. وسنظل يَقِظين في الدفاع عنها وفضح روايات الخصوم الصغيرة المُخْتَلَقَة المبنية على التضليل وتحريف حقائق التاريخ، قُدْوتنا في ذلك رؤيةُ وسياسات صاحب الجلالة نصره الله وسنَدُنا توجيهات جلالتِه، وصمود القوات المسلحة الملكية الواقفة حامية لحدود الوطن وأمنه واستقراره. فإلى هذه القوات بقيادة قائدها الأعلى ورئيس أركان حربها العامة، كل الامتنان والعرفان، وإلى أخواتنا وإخواننا في أقاليمنا الجنوبية كل التحية والتقدير على تصديهم لمخططات الأعداء وانخراطهم الإرادي والحماسي في بناء المؤسسات وتأكيد اللحمة بين مكونات الوطن الواحد.
السيدات والسادة،
لعل من أهم مميزات نظامنا الدستوري والمؤسساتي الإشراك والتشاور من خلال الديمقراطية التشاركية والمواطنة بمختلف مداخلها وآلياتها. إعمالا لذلك، واصلنا الانفتاح على هيئات المجتمع المدني باعتبارها المؤطر لمبادرات المواطنات والمواطنين، ونظمنا ندوات ولقاءات موضوعاتية وأخرى تكوينية بمشاركة العشرات من المنظمات المدنية من مختلف جهات المملكة.
وكان هدفنا النبيل، وسيظل، هو تكريس انتظام الحوار والانفتاح على المجتمع المدني وجعل المواطنات والمواطنين يساهمون بالرأي والاقتراح في التشريع والرقابة وإعداد السياسات العمومية وتقييمها، والتحفيز على بلورة وتقديم العرائض والملتمسات من أجل التشريع، بما يجعل الديموقراطية التشاركية رافدا للديموقراطية المؤسساتية التمثيلية مع كل الحدود التي ينبغي احترامها بين السياسي والمدني، وبين الأحزاب والجمعيات.
في هذا الصدد، ينبغي التذكير بالندوة التي نظمتها لجنة العرائض بالمجلس حول موضوع “مداخل التنمية في المجالات الجبلية” يوم 22 يونيو 2023 بمشاركة عدد من الجمعيات المشتغلة حول هذا الموضوع ومنها المنضوية في إطار الائتلاف المدني من أجل الجبل.
ولا تخفى عليكم الأهمية التي تكتسيها تنمية الجبال في المغرب باعتبارها خزانات تاريخية وحضارية وثقافية، وبيئية ودورها في التوازن البيئي وفي التنمية، مما يجعلها موضوعَ رهاناتٍ إنمائية وإيكولوجية.
بالموازاة مع هذا الانفتاح المنتظم على المجتمع المدني، نحرص على تمكين العاملين فيه من التكاوين والمهارات الضرورية ومن الاستئناس بالعمل البرلماني.
في هذا الصدد نظمنا، في إطار برامج التعاون الدولي، يومين تكوينيين لفائدة الجمعيات في مجال مبادرة الشراكة من أجل حكومة منفتحة OGP ، تنفيذا لالتزاماتنا في إطار هذه المبادرة الدولية التي يُعتبر مجلسُنا عضوا نشطا فيها.
ومن جهة أخرى، أطلقنا برنامجا للتكوين لفائدة شباب من الأحزاب الممثلة في مجلس النواب ومن هيئات المجتمع المدني يمتد على مدى سنتين ويتوخى تقريب المستفيدين أكثر من العمل المؤسساتي والبرلماني ومن المساطر البرلمانية والأنظمة البرلمانية، والمشاركة المواطنة. ونراهن على أن تساهمَ هذه التكاوين في تكريس ثقافة المشاركة والثقة في المؤسسات وأن يعيش الشباب العمل البرلماني من الداخل.
ونتطلع من مجموع هذه المبادرات إلى تكريس الديموقراطية التشاركية من تشاور عمومي وعرائض وملتمسات من أجل التشريع إيمانا منا بدورها في تعزيز الديموقراطية المؤسساتية.
وتيسيرا لذلك، حرصنا، في إطار برامج التعاون الدولي، على إعداد منصة إليكترونية لتقديم العرائض والملتمسات الموجهة إلى مجلس النواب رقميا، سيتم إطلاقها مع بداية السنة التشريعية المقبلة آملين في أن تساهم في تيسير هذه الممارسة المواطنة النبيلة.
السيدات والسادة،
كان ذلكم أهم ما ميز أداءنا خلال هذه الدورة، وهو الأداءُ الذي ينبغي أن نُرَصِّدَ نتائجه ونؤسس على التراكم لترسيخ نضج ديمقراطيتنا وجعلها أكثر مردودية تكريسا للإصلاحات التي تنجزها بلادنا بقيادة صاحب الجلالة. وعلينا أن نستحضر دومًا السياقات الإقليمية والدولية، حيث العلاقاتُ الدولية تتسم بانشطار غير مسبوق Une fragmentation وبسياسة المحاور، والتهافت على تأمين المصالح القُطرية في سياقِ التوترات والنذرة والحذر.
أشكركم على حُسْنِ الإصغاء، وأعطي الكلمة للسيد أمين المجلس لتلاوة برقية الولاء والإخلاص المرفوعة إلى صاحب الجلالة أيده الله.
التعليقات مغلقة.