البعمري: ما يحدث في دول عربية يجعلنا ننظر للمغرب بكثير من الاعتزاز
نوفل البعمري، محامي وباحث في الشأن السياسي
عندما ترى ما حدث و ما قد يحدث في الكثير من البلدان العربية و ما انتهت اليه تلك الدول التي رفضت الاصلاح و التغيير السلمي و الديموقراطي ؛ يجب أن ننظر لتاريخ المغرب بالكثير من الاعتزاز ، نظرة تستلهم تجربته المؤسساتية و السياسية من الداخل و من الممارسة السياسية التي امتدت منذ استقلال المغرب إلى الآن ، و قد لعبت فيه عدة مؤسسات دورا كبيرا في تجنيب المغرب مصير العديد من الدول العربية :
1- المؤسسة الملكية التي لعبت دورا إصلاحيا كبيراً استجابت فيه في مختلف مراحل تطور المغرب إلى مطالب التغيير ، بلد اية التسعينات فهم الراحل الحسن الثاني أنه لا يمكن أن يظل المغرب كما كان عليه في السبعينات و الثمانينات مغرب كانت تمارس فيه انتهاكات حقوقية خطيرة و جسيمة، فتح الباب امام انتقاد ديموقراطي انطلق مع فتح أبواب تزمامارت ، عودة المنفيين و العفو الشامل على الجميع …لينطلق مسلسل من الحوار السياسي بينه و بين المعارضة، كانت نسخة 1993 التي فشلت بسبب عدم نضج مختلف الأطراف لحكومة تناوب توافق، لينطلق بعدها مسلسل جديد انتهى بتولي المعارضة لاول مرة الحكومة و كان وصول عبد الرحمن اليوسفي مرحلة فارقة في تاريخ المغرب ، لينطلق معها مسلسل آخر من الإصلاح مع تولي محمد السادس الحكم فتعدد مسار العدالة الانتقالية بهيئة الإنصاف و المصالحة ، و بالإصلاحات التي تم القيام بها حقوقيا و تشريعيا تعززت مع التجاوب الكبير الذي أبداه الملك مع مطالب الشارع سنة 2011 فجاء دستور الحقوق و الحريات و ينخرط المغرب في بناء مساره السياسي بتقلباته و تأثيراته الداخلية و الخارجية ، لكن ظلت فيه المؤسسة الملكية قوة اصلاحية حقيقية و ظل فيها الملك يرى هذه الإصلاحات باعتباره رئيسا للدولة و قائداً لها.
2- الأحزاب السياسية و النقابية و المجتمعية :
لم يكن للمسار الإصلاحي الذي قطعه المغرب أن يكون دون أن تلعب فيه الأحزاب السياسية خاصة منها أحزاب الحركة الوطنية و الق الديموقراطية بشكل خاص و تيارات اليسار الحديد الذي توجهت نحو العمل الحقوقي ، و هي الأحزاب التي كانت تناضل منذ الاستقلال من أجل الدمقرطة و توسيع الهوامش الديموقراطية ببلادنا بدءا من الستينات و المطالب بالإصلاحات الدستورية و السياسية ثم النضال من أجل الحريات و الحقوق الأساسية لتكون فاعلاً أساسياً في مرحلة التمهيد للانتقال الديموقراطي وصولاً لمرحلة ما عُرف بالعهد الجديد بحيث قادت إلى جانب الملك الحديد تحولات المغرب الحديدة بدءا بالإنصاف و المصالحة وصولاً لتعديلا دستور 2011، و قد كان لتجذر هذه القوى داخل المجتمع سواء تعلق الأمر بأحزاب الحركة الوطنية خاصة الكتلة الديموقراطية و تيارات اليسار الجديد و الفاعلين الحقوقيين و النشطاء المدنيين الدور الفاعل في تشجيع الدولة نحو القيام بمهام العدالة الانتقالية وفقاً للمعايير الدولية من خلال التوافق و التراضي و اعادة بناء الثقة مع الحكم و تحملها لمسؤوليتها الكاملة في القيام بمهام التغيير من داخل المؤسسات و قطعها مع الفوضوية و البلانكية و المغامرات السياسية منذ بداية السبعينات بحيث تولد لديها وعي متقدم بأهمية النضال الديموقراطي و باستراتيجية النضال الديموقراطي و الإصلاح من الداخل هذا الوعي هو الذي جنب المغرب الدخول في متاعاة كان يمكن أن تتجه نحو الاستبداد و نحو اعادة انتاج نظام حكم فردي مستبد على شاكلة الأنظمة التي انهارت سواء بالشرق الأوسط او أوروبا الشرقية ، و قد كانت قراءتها للواقع الدولي بداية التسعينات و نهاية الثمانينات من خلال استيعاب سريع لانهيار المعسكر السوفياتي و وسقوط جدار برلين وًقيامها بالتغييرات الفكرية و الاديولوجية اللازمة بشكل سريع و استباقي الأثر الكبير في دفع المغرب نحو تبني الخيار الديموقراطي الذي انتهى بدسترته.
3- الإسلاميين و دورهم في التحولات الأخيرة:
لقد استطاع المغرب في علاقته بالإسلاميين أن يبني نموذجه الخاص في إدماج التيار الديني الإسلامي في الحياة العامة بشكل سلسل و آمن، و قد كان لدور العدالة و التنمية و باقي التيارات الدينية في تبني مشروع الإصلاح والمشاركة في الحياة السياسية سواء داخل المؤسسات أو خارجها من خلال العدل و الإحسان، و قد كان لرفضها للعنف و ممارسات و الإعلان بشكل واضح التغيير بشكل سلمي دور كبير إلى جانب ما قامت به الدولة في عدم إعادة و تكرار و استنساخ تجربة علاقة الدولة بتيارات “الاخوان المسلمين” فكان التدافع واضحاً لكنه انصب في هدف الإدماج داخل الحياة العامة و قد كان لهم دورهم في حماية الحياة العامة و في المساهمة في البناء الديموقراطي خاصة منذ 2011 إلى الان من خلال عدم انسياقهم من التغيير بالعنف و الفوضى التي طبعت تلك المرحلة مما سمي بالربيع العربي ، لهذا كان لهم دورهم في البناء و الإصلاح و.
إن المغرب استطاعأن يكون نموذجاً في المنطقة العربية و و المتوسطية بفضل اختياراته، خيار الإصلاح من الداخل و خيار الاستماع لنبض الشارع ، و خيار التغيير بإرادة ذاتية من الدولة و القوى الحية التي بنت توافقاً جديداً أدى إلى أن يحقق المغرب قفزته و خروجه من دائرة الاضطراب السياسي نحو الاستقرار المبني على حسم التوافقات و التوجه نحو تجديد المؤسسات و تجددها بما يتطلبه الوضع الرهن داخلياًو دولياً.
التعليقات مغلقة.