قراءة في كتاب: “في الخبرة والتنمية” سيرة خبير دولي يوسف ثابت

إكرام الخراز، طالبة باحثة بسلك الماستر: سوسيولوجيا التنمية المحلية بجامعة ابن طفيل القنيطرة، المغرب.

  •  مقدمة سوسيولوجية لقراءة في كتاب “سيرة خبير”

يمثل كتاب “في الخبرة والتنمية: سيرة خبير دولي” نافذة متميزة لفهم العلاقة بين التجربة الفردية والخبرة العلمية، وبين الجهود التنموية والسياقات الاجتماعية والاقتصادية. يقدم الكتاب، من خلال سرد حياة وتجارب المؤلف يوسف ثابت، مقاربة شاملة لمسألة التنمية والخبرة، مسلطا الضوء على كيفية تفاعل المعرفة المكتسبة مع تحديات الواقع الميداني لتحقيق تغيير إيجابي.

فهو دراسة سوسيولوجية معمقة تتيح للقارئ فهم كيفية تأثير البيئة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية على مسار حياة الأفراد، وما يعكسه هذا المسار من تفاعلات بين الخبرات الشخصية والسياقات المجتمعية، فالكتاب لا يقتصر على سرد لحظات من حياة خبير، بل يعرض أيضا كيفية تشكل هذه الخبرة عبر مسار من التحديات والفرص التي استجاب لها الفرد ضمن إطار حياتي واجتماعي محدد، مما يعكس فكرة سوسيولوجيا الخبرة التي تؤكد على أن الخبرات الإنسانية والعلمية ليست مجرد تجارب فردية، بل هي محكومة بالتفاعلات المستمرة بين الفرد والمجتمع والتجارب التي يخوضها الخبير.

كما يتناول الكتاب دور التنمية في صياغة هذا المسار، ويبين كيف أن الفرد لا يطور خبراته بمعزل عن السياقات الاجتماعية والثقافية والجغرافية والسياسية والاقتصادية التي ينتمي إليها. إذ تساهم هذه العوامل في خلق فرص أو موانع أمام الأفراد، مما يؤثر على اختياراتهم وتوجهاتهم. ومن خلال ذلك، يظهر الكتاب كيف يمكن للفرد أن يسهم في تغيير مجتمعه من خلال استخدام الخبرات المتراكمة في سبيل التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

وفي هذا السياق، يعكس الكتاب عملية التحول الاجتماعي المستمر التي يمر بها الأفراد، كما يبرز كيف يمكن أن تساهم الخبرات الفردية في تنمية المجتمع بشكل أوسع. فهو يقدم دراسة حية لسوسيولوجيا الخبرة التي لا تنفصل عن السياقات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر فيها بذلك، يشكل الكتاب مصدرا لفهم كيف يساهم الأفراد، من خلال تجاربهم الشخصية، في تطوير المجتمعات وفي دفع عجلة التنمية من خلال تفاعلهم مع بيئاتهم المتغيرة، إذ الغرض من هذه القراءة توضيح وتفصل عن مهارات الخبير التي يكتسبها من خلال مساره العلمي الحافل بالتجارب والمخاطر، وبالأخص الخبير الدولي الذي تعددت خبراته من خلال العمل مع مكاتب دراسات متنوعة ومختلفة.

ويمكن عرض لمحة عامة عن الكتاب بالقول أن الباحثان سيحرصان “على إخراج هذا المنتج المعرفي، الغاية منه، التعريف بمسار أحد الخبراء الدوليين، وقد يبدو من الوهلة الأولى أن الكتاب يجيب عن التساؤل الذي يطرحه بعض الباحثين: “كيف يصبح الخبير خبيرا؟” وإن كان ذلك واردا عبر عدد من مفاصل هذا الكتاب؛ عبر استنطاق خلاصات تجربة هذا الخبير الدولي.

   إنها مساهمة يرجى أن تسعف القارئ المهتم، والباحث المختص على السواء، باستجلاء بعض ما يقبع في الظل، ولا تسلط عليه الأضواء إلا من خلال الدراسات المتخصصة في هذا الباب، كما تفعل ذلك سوسيولوجيا الخبرة والخبراء… تدعو لتأمل عالم الخبرة باعتبارها واقعة متعددة الأبعاد، تحتاج إلى مقاربات العلوم الإنسانية والاجتماعية، بما هي واقعة اجتماعية وثقافية تحتاج إلى المعرفة السوسيولوجية والأنثروبولوجية، وبما هي واقعة اقتصادية تحتاج إلى دراسة وتحليل مفعولها الاقتصادي، وبما هي واقعة سياسية تحتاج إلى قراءة منطلقاتها ومراميها، وبما هي واقعة أخلاقية وإنسانية تحتاج إلى تأمل وظيفتها وكينونتها.. نأمل أن يحقق هذا العمل بعض المقصود منه والتفاعل المنتظر بخصوصه”.[1]

يمكن طرح مجموعة من الأسئلة انطلاقا من هذا القسم الذي سنستعرض فيه قراءة حول مجموعة من الصفحات والتي يمكن أن نخرج منها بإجابات فحصة عنها:

ما هي العوائق الرئيسية التي واجهها الخبير؟

كيف تعامل الخبير مع هذه العوائق؟

كيف يمكن تفسير هذه العوائق من منظور سوسيولوجي؟

  • قراءة في غلاف الكتاب:

انطلاقا من عنوان الكتاب “في الخبرة والتنمية”:

يشير العنوان إلى محاور أساسية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية، “الخبرة” تعبر عن المعرفة المكتسبة من الممارسة، بينما “التنمية” تمثل الجهود المبذولة لتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية. الجمع بينهما يعكس أهمية توظيف التجربة العملية لتحقيق التقدم المجتمعي، أما “سيرة خبير دولي” فوصف المؤلف كـ”خبير دولي” يعكس مكانته العلمية والمهنية، ما يضفي طابعا من المصداقية والأهمية على محتوى الكتاب، والإشارة إلى السيرة تعطي الكتاب بعدا شخصيا، مما يجعله دراسة لحياة وتجارب المؤلف.

أما فيما يتعلق بالصورة فصورة المؤلف (يوسف ثابت) الموضوعة بشكل بارز على الغلاف تشير إلى أهمية الفرد وتجربته في النص، كما أن الابتسامة تعطي شعورا إيجابيا وتبرز الثقة والمهنية، أما شريط الصور المصغر فوجود شريط يحتوي على صور مختلفة يعبر عن تعدد التجارب والإنجازات، ويضيف عنصرا بصريا يرمز إلى مراحل متنوعة من الخبرة العملية. الصور توضح العمل الميداني والاجتماعي، مما يعزز رسالة الكتاب.

أما المحررون (نور الدين لشكر وعمار حمدانش) يمكن الإشارة إلى دورهما الذي يعكس التعاون الجماعي في إنتاج المعرفة، وهو أمر يرتبط بقيم العمل الجماعي في التنمية والإنتاج الفكري.

والعام (2022) فهو التأريخ الذي يضع الكتاب في سياق حديث، مما يجعله وثيق الصلة بالتحديات والقضايا التنموية الراهنة.

الأبعاد السوسيولوجية للغلاف:

واجهة معرفية ومهنية، فتصميم الغلاف يجمع بين الطابع الأكاديمي والإنساني. الجمع بين النصوص والصور يجعل الكتاب يبدو كمرجع يجمع بين المعرفة النظرية والتجربة العملية في مجال التنمية.

أما فيما يتعلق باللغة البصرية فاختيار الصور ذات الطابع الاجتماعي والميداني يعكس ارتباط الكتاب بالواقع، مما يوضح اهتمامًا كبيرًا بالقضايا العملية والتنموية.

ما يدفع القارئ إلى طرح الأسئلة التي تبار للذهن وهي كيف يسهم تصميم الغلاف في إبراز العلاقة بين الخبرة والتنمية؟

إلى أي مدى تعكس الصور والرموز اهتمام الكتاب بالواقع الاجتماعي؟

هل ينجح الغلاف في تقديم رؤية شاملة عن التجربة الشخصية وأثرها في مجال التنمية؟

يمكن القول أن الغلاف يقدم صورة تعكس محتوى الكتاب من خلال المزج بين البعد الشخصي والعملي، فهو يعبر عن العلاقة بين التجربة الفردية والخبرة العلمية، ويظهر أهمية العمل الميداني في تحقيق التنمية.

  •  سيتناول هذا المقال قراءة في المحطة الثالثة من الكتاب والتي تنقسم إلى ثلاثة أقسام، سنتناول بالضبط منتصف القسم الأول من الكتاب، في المحور الرابع منه:

4مجازفات الخبير، طبيعية، صحية، أمنية، مع شبهات:

قد تناول الكتاب في هذا المحور المخاطر والمجازفات التي قد تواجه الخبير أثناء أدائه لعمله، والني قد تبدو للبعض جزئية بسيطة لكنها قد تكون أحيانا حاسمة في تعثر المشروع أو توقف تنفيذه، وقد سعى الكاتب الى استحضارها لا من أجل استحضار الطابع الذاتي في التجربة بل من أجل الاقتراب ما أمكن من الشروط الموضوعية المحيطة بفعل تقديم الخبرة في مختلف السياقات والظروف.

  • مجازفات في سياقات أمنية وسياسية غير مستقرة:

من ضمن المخاطر العويصة التي قد تواجه الخبير أثناء عمله منها تلك المتصلة بالأحوال السياسية والأمنية لبلد إجراء الخبرة خاصة ما تكرر مع الخبير جوزيف في الدول الافريقية كالفترة التي حدث فيها الانقلاب العسكري في النيجر ما أثر على الحراك الشعبي في البلد الذي كان يجري فيه أبحاثا، مما يمكن صعوبة أيضا على استقرار اسرته وانقطاع الاخبار عنها، ما سيدفعه لاحقا بفكرة التجنيس بجنسيات أخرى.

  • وأحيانا مخاطر يمكن أن تنهي حياة الخبير في أي لحظة:

كثيرا ما كان يجد الخبير جوزيف نفسه أمام مخاطر كانت قد تودي بحياته، لكونه مضطر للسفر والتنقل لأداء المهام الموكلة له في البلد المعين، منها سفره على متن طائرة أثناء عودته من مهمة في أوغندا متجها نحو روما، الأمر الذي كان معلوما لدة هذا البلد عن سوء الحالة الميكانيكية للطائرات في ذلك المطار، حيث تسربت الأدخنة للطائرة مصحوبة بأصوات قوية صادرة عن المحرك، مما اضطر بهم للعودة وإعادة الإقلاع بعد اصلاح الطائرة.

كما يتأسف جوزيف عن حال ومآلات بعض المشاريع التنموية التي تأخذ وقتا طويلا من الخبرة ليتم الكشف في النهاية أنها قد تكون فقط كتبريرات صرف تلك المساعدات والتي بدورها لا تصب في الأمر المنشود لها.

  • مجازفات صحية: حشرات سامة، عدوى وأوبئة

من المجازفات التي خاضها جوزيف، مجازفات ذات طبيعية صحية متصلة بالأمراض والأوبئة منها بعض شروط الإقامة القاسية، منها ما يزيد فرصة الإصابة بالأمراض الصحية المحلية بالبلد المقيم، فضلا عن نقص التجهيزات الأساسية وضعف الخدمات الصحية في بعض البلدان الافريقية.

مما نستنتج أن القدرة على المجازفة في نر جوزيف خاصية مهنية أساسية في هذا المجال.

ان الخبير الدولي قد يكون في كثير من الأحيان مضطر للسفر برا وجوا وبحرا وأحيانا عبر مسالك وطرق وعرة قد تودي بالحياة.

  • سيول وفيضانات

من المجازفات التي نالت الحظ الأوفر في حياة الخبير هي المجازفات الطبيعية، وقد تصل بعض المهام الكثير من الوقت والتي قد تقارب السنتين، وهو ا وقع معه حيث كانت هناك فصول موسمية تتسم بالفيضانات التي كانت قد تودي بحياته، بالإضافة الى مخاطر أخرى كحدوث اقتتال أو هجوم مسلح بمديين الإقامة وغالبا ما يتم استهداف الأجانب باعتباره الرجل الأبيض، وفي بعض الأحيان قد يقع هناك غد بين أفراد فريق العمل كذلك.

  • مخاطر أخرى قد تلاحق الخبير، بما فيها الاتهام بالتجسس

الخبير المتمرس الواعي بمجمل المخاطر عليه أن يكون على استعداد لمجابهته أسوئها، بالخصوص المتعلقة بخبايا التعاقد مع مكاتب الدراسات سواء على البع السياسي أو القانوني أو الإداري، وذلك للتعقيدات الواردة في مهنة الخبير، هنا نلحظ أن الخبير الدولي الذي يعمل مستقلا غالبا ما تواجهه مثل هذه التعقيدات والتحديات، بالخصوص إذا كانت المهام الموكلة له متعددة ضمن مشاريع مختلفة في بلدان تتعدد فيها الطراف المشاركة، الأمر الذي يزيد من حنكة الخبير وصلابة تجربته المهنية.

إن تهمة التجسس غالبا ما تطال الخبير الدولي حينما يخدم مصالح مختلفة لمنظمات ومؤسسات دولية، خاصة في البلدان التي قد تعاني من حساسية سياسية، فأحيانا قد يؤدي تبادل الحديث أو النقاش عن الحوال السياسية لبلد ما الة منزلقات خطرة، كتجريد الخبير من مهامه أو الى حد التصفية الجسدية.

ما يستدعي على الخبير أحيانا الى تقديم بعض التنازلات أو غض الطرف عن بعض الأشياء التي تجري أمام ناظريه في التقارير التي يقدمها وقد ادرج الكاتب أمثلة واضحة عن ذلك.

5-مكاتب الدراسات والجهات الممولة، معارك كسر العظام

سيذكر الكاتب في هذا الفصل مجموعة من المعارك الشرسة التي تدور في صمت بين مكاتب الدراسات فيما بينها وبين الخبراء من خلال بعض الشروط المعلنة، ومن ضمن الأمثلة على ذلك وبالإضافة الى ما قد يتهم به الخبير من تهم في التجسس قد يضطر لإعطاء بعض المعلومات والدراسات التي كانت ممولة من طرف بعض الجهات الى مكاتب أخرى وذلك لعوامل يتدخل فيها طرف ثالث، ما يضطره قسرا في بعض الأحيان الى ذلك،

ولعلنا نستفيد أن من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها الخبير هو السر المهني والثقة بينه وبين الجهات التي يعمل لصالحها،

وهذه التعقيدات في المعاملات والصفقات بين مكاتب الدراسات قد تودي الى هدر للمال والجهد بالإضافة الى تسببها لمشاكل عويصة للخبير، إذ قد يجد نفسه لأحيانا وسيطا يتواطأ مع إدارات وكاتب أجنبية، أو أحيانا أخرى متهما بالتجسس واهتزاز الثقة بينه وبين فريق العمل.

  • تحيين قاعدة معطيات مكاتب الدراسات، وخبراء للبيع

تدرج الكاتب هنا إلى الحديث عن كيفية سير عمل الخبير من خلال تراكم خبراته لتكوين أرضية أو قاعدة من المعطيات والمعلومات التي تمثل نقاط قوته، لذلك يتم العمل على التحيين الدائم والمستمر لبنك المعطيات الخاص بمكاتب الدراسات، وتبعا لذلك تتأسس شبكة من المصالح بين مكاتب الدراسات وبين الخبراء، لتدبير آلية التعاقد مع الخبراء الدوليين، إذ هي في نظر جوزيف أمر عادي سلس في ظاهره لكن في جوهره تخفي ممارسات عالم الخبرة الخاضع لمنطق التسويق والبيع والشراء.

إذ يلزم الخبير التحلي ببعض من الوقت والجهد والصبر ليصير عملة معتمدة ومتداولة في سوق الخبرة، حيث يستعرض جوزيف مسار تعاقداته المهنية إذ يعتبر من وجهة نظره من جهة ومن خبراته المتعددة أنه كان موفقا لأن طلب خبرته لم يتوقف طيلة الثلاثة عقود، بالإضافة إلى اكتسابه لمهرات التواصل والتغافل أحيانا بسبب أسلوب التواصل الفج لبعض مكاتب الدراسات أمر ضروري لكيلا يضيع عليه فرصا في الطريق أو الاقصاء من شبكة العلاقات المهنية، وبالإضافة إلى ذلك قد يتوافد عليه بعض الطلبات المستعجلة التي لا يتسنى له أحيانا حتى التجهز للسفر، مما وصفه أن الخبير كأنه جندي طوارئ، وكذلك ما شبه المغربي نجيب أقصبي الخبير بكونه الدور الذي يضفي الشرعية على قرارات المؤسسات الدولية والحكومية أكثر من الدور الأساسي لتحقيق الأهداف المنوطة بالخبرة الحقيقية.

  • تلبيس سيرة خبير

كما قال جوزيف ان عالم الخبرة هو عالم استعراض السير الذاتية للخبراء وبالضبط السير اللامعة وتحيينها ليستطيع الخبير الولوج إلى عالم الخبرة، بالإضافة إلى العمل على توجيهها إلى مختلف مكاتب الدراسات العالمية للحصول على حظوظ أوسع، وهو ما أشار إليه أن تحرير السيرة الذاتية بمثابة حرفة يتكلف بها المختصون الاداريون الذين لهم دراية أوسع بمتطلبات سوق السيرة والخبرة تحديدا.

وقد قسم الكاتب طلبات العروض التي تتوافد على الخبير إلى قسمين، إذ الأول يهم طبيعة المشروع ومكوناته الفنية والتقنية، في حين أن القسم الثاني يهم التركيبة المالية الموازية للمشروع، وهذا ما يربط الأمر ربطا وثيقا بمدى نجاعة تحيين وكتابة السيرة الذاتية للخبير لما لها من أهمية لدى مكاتب الدراسات في الفوز بالصفقات والظفر بها.

يمكن القول إن هذا الجزء قد شبه عمل الخبير وسيرته الذاتية بمثابة سوق أو مزاد تتوافد العروض الدولية على مكاتب الدراسات ليكون الصراع أو التسابق للظفر والفوز بالصفقات المالية الأكثر ربحا، فيصبح الخبير ورقة ربح أو خسارة للمركز الدراسات لا ورقة خبرة.

  • بعض مفردات قاموس مكاتب الدراسات:

تتناول هذه الصفحات جوانب سوسيولوجية ومهنية تتعلق بوظيفة “الخبير الدولي” ودوره في الأوساط الأكاديمية والسياسية والاجتماعية، ولفهم مضمونها بشكل أفضل من منظور سوسيولوجي، يمكن تحليلها من عدة الزوايا تتضمن “الهوية المهنية والتكوين المعرفي للخبير” إذ تشير النصوص إلى أن “الخبير الدولي” ينظر إليه كمصدر للمعرفة والمصداقية، وهو ما يعكس بعدا اجتماعيا للهيبة والمكانة، هذه الوضعية المهنية تتطلب تراكم الخبرات والمهارات العلمية، بالإضافة إلى العمل ضمن أنظمة تمويل ودعم مؤسسي.

أيضا “التداخل بين السلطة والخبرة” يظهر التداخل بين السلطة (سواء السلطة السياسية أو الاقتصادية) والخبرة، حيث يتم تمويل هذه الدراسات والتقارير من جهات مؤثرة، مما يجعل الاستقلالية العلمية موضع تساؤل، كذلك الأمر بالنسبة “للتحديات الاجتماعية والأخلاقية” من منظور اجتماعي، هناك تحديات تواجه الخبير في الحفاظ على مصداقيته وحماية استقلاليته من الضغوط الممارسة عليه من الجهات الممولة.

أما فيما يتعلق بالسياق العالمي والمحلي فالكاتب يسلط الضوء على أهمية هذا الدور في سياق العولمة وزيادة الاعتماد على الخبراء لتقديم حلول للمشكلات الاجتماعية والسياسية المعقدة.

  • تقييم السيرة المهنية للخبير، معايير لا تستحضر البعد الأخلاقي والإنساني:

النص يسلط الضوء على دور الخبراء الدوليين في إدارة المشاريع التنموية، مع التركيز على التحديات المهنية والاجتماعية التي يواجهها. إذ يعرض النص إشكاليات الضغوط النفسية والمهنية الناجمة عن متطلبات السوق المتغيرة بسرعة، مما يؤثر على توازن الخبراء بين العمل والجوانب الشخصية. كما يناقش أهمية امتلاك معرفة علمية تمكن الخبراء من فهم السياقات المحلية وتلبية احتياجات المجتمعات بشكل مستدام، مع مراعاة الأبعاد الثقافية والاجتماعية.

يشير النص إلى أهمية أخلاقيات العمل، مشددا على دور الخبراء في تقديم حلول تنموية تراعي احتياجات الأفراد وتحافظ على التوازن بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، ينتقد النص اعتماد بعض الخبراء على أساليب إدارية قد تخضع لضغوط السوق على حساب البعد الإنساني، ويبرز الحاجة إلى نظام أخلاقي يدعم استدامة التنمية، فالنص يقدم أمثلة عملية على النجاحات والإخفاقات، موضحا الصعوبات التي يواجهها الخبراء في تطبيق المعرفة النظرية في سياقات عملية مختلفة. ويختتم بضرورة تحقيق توازن بين الضغوط المهنية والنفسية، مع تعزيز التعاون مع المجتمعات المحلية لضمان فاعلية المشاريع التنموية وتحقيق نتائج طويلة الأمد.

6-وضعيات أخرى للخبير

الأسطر الأولى من هذا المحور تناقش أهمية تحديد الأهداف الواضحة للمشاريع التنموية، مع التركيز على البعد الأخلاقي والمسؤولية في التعامل مع المجتمع المحلي، ويتمحور النص حول العلاقة بين السياقات الثقافية والاجتماعية التي تحيط بالمشروع، وكيفية اندماج الخبرة التقنية مع القيم الإنسانية لضمان تحقيق النجاح. كما يبرز النص مسألة التعويضات المالية كأداة حساسة تستوجب التوازن بين عدالة التوزيع والفعالية التنموية.

يرى الكاتب أن التنمية ليست مجرد مسألة اقتصادية، بل إنها عملية تكامل بين القيم الإنسانية والمعايير التقنية ومع ذلك، يلاحظ وجود طابع بيروقراطي قد يؤدي أحيانا إلى تهميش الجوانب الثقافية العميقة. هذا يستدعي تعزيز الحوار بين القائمين على المشاريع والمجتمعات المتلقية لتجنب تحويل “التنمية” إلى ممارسة فوقية قد تفتقر إلى الأصالة الثقافية.

في القسم الأخير، ينتقل النص إلى استعراض الآليات التطبيقية للمشاريع التنموية، مسلطا الضوء على التحديات مثل إدارة التوقعات المحلية واستغلال الموارد. كما يناقش العلاقة بين الأطراف المختلفة، مثل الخبراء والمساعدين، مع الإشارة إلى أهمية تحديد الأدوار والحد من التدخلات غير الفعالة.

كما تظهر الاستراتيجيات المطروحة وعيا بأهمية إدارة التعقيدات العملية، لكنها تعكس أحيانا نزعة تقنية تغلب على الحس الاجتماعي، إذ يُنصح في هذا الإطار بإعادة التفكير في استراتيجيات إشراك المجتمع المحلي بشكل أعمق، حيث يمكن أن يكون “المستفيد” شريكا فعليا، لا مجرد متلق للتنمية، كما أن هذا يعزز الإحساس بالملكية والتمكين بدلا من الاعتماد على الدعم الخارجي فقط.

كما أن التنمية يجب أن تكون أداة لتحقيق التماسك الاجتماعي، عبر توفير بيئة حاضنة للمبادرات المحلية، ولكن تبرز هنا مسألة استغلال الخبرات والمعارف المحلية كجزء من المشروع بدلا من الاعتماد الكامل على النموذج الغربي.

لكن يتجلى التحدي الأكبر في كيفية تحقيق توازن بين الخصوصية المحلية والعولمة التقنية، بينما يشيد النص بضرورة إدماج العناصر المحلية، يبقى التساؤل حول مدى قدرة هذه المشاريع على تجاوز الخطاب النظري إلى التطبيق العملي. ويُقترح أن يُدمج المجتمع بشكل أوسع في التخطيط والتنفيذ لضمان استدامة التنمية، وربطها بمصالحهم الحقيقية.

فيطرح النص تساؤلات حاسمة حول كيفية تفاعل المجتمعات مع “الخبرة”، وخصوصا عند مواجهة الفقر أو الظروف الصعبة، حيث يتم إبراز أهمية التحليل السوسيولوجي للممارسات الاجتماعية ودورها في صياغة سياسات التنمية. من منظور نقدي، يمكن النظر إلى هذا الموضوع على أنه إعادة إنتاج للهياكل الطبقية أو تعزيز الهيمنة، خاصة عندما تتداخل الديناميكيات الاجتماعية مع تدخلات التنمية.

كما يمكن العروج إلى إشكالية “تنميط الخبير” حيث يتم تسليط الضوء على كيفية تنميط الخبراء من منظور استعماري أو غربي، حيث يتم تصويرهم كحاملين للحلول المطلقة. هذا يشير إلى نقد واضح للنماذج التنموية التي تعتمد على تدخلات خارجية بدلاً من البناء على المعرفة المحلية. النصوص تعكس وجهة نظر تدعو لإعادة التفكير في مفهوم “التفوق المعرفي” الذي يمارسه الخبراء الغربيون.

ولا يخفى التقاطع بين السياسة والمجتمع حيث تشير الصفحات إلى أن أي مشروع تنموي يجب أن يراعي التوازن بين المصالح الاجتماعية والسياسية. تظهر الحاجة إلى فهم العلاقة بين الفقر كمفهوم اجتماعي وديناميكية السلطة كإطار سياسي. يشير ذلك إلى نقد ضمني للبرامج التنموية التي تهمل البعد الاجتماعي لصالح التركيز على الجانب الاقتصادي.

بالإضافة إلى دور التعاطف (Empathy) حيث يركز الكاتب على كيفية بناء علاقات قائمة على التعاطف بدلًا من العلاقات الأبوية أو التدخلات القسرية. السوسيولوجيا تقدم هنا أداة لتحليل هذه العمليات وتقديم بدائل أكثر إنسانية، كما أن النقد الموجه للهيمنة الاستعمارية حيث ينتقد بوضوح بقايا الفكر الاستعماري في التنمية، بحيث يتم التعامل مع الهيمنة على أنها استمرار لنماذج اقتصادية واجتماعية تفتقر إلى مراعاة الخصوصيات الثقافية، ما يخلق نوعًا من “المركزية الأوروبية”.

فلا بد من إعادة إنتاج الهيمنة، حيث يمكن قراءة النصوص كدعوة للتخلص من النماذج التنموية التي تعتمد على التوجيه الخارجي، مع تساؤلات حول دور المؤسسات الغربية في تعزيز نماذج استهلاكية أو رأسمالية، كما أن الفقر ليس مجرد حالة اقتصادية بل سياق اجتماعي وسياسي، فالنصوص تعكس حاجة لفهم أعمق للبعد الإنساني للمشكلة وكذلك الأمر بالنسبة للتنوع الثقافي إذ تغيب أحيانا الدعوات لدمج التنوع الثقافي في الممارسات التنموية، ما يستدعي التفكير في آليات أكثر شمولية، الأمر الذي يجرنا إلى عدة تساؤلات من بينها:

كيف يمكن للمجتمعات المحلية المشاركة بفعالية أكبر في عمليات التنمية دون الاعتماد المفرط على الخبراء الأجانب؟

هل يمكن للتعاطف أن يكون أداة كافية لتغيير علاقات الهيمنة بين الجهات المانحة والمستفيدين؟

ما هي النماذج البديلة للتنمية التي تراعي التفاعل بين السياق الثقافي والسياسي؟

  • خاتمة:

يمكن القول أن دور الخبير الدولي كفاعل أساسي في مجالات التنمية، من خلال مزاوجة التجربة الفردية بالسياقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الأوسع. غير أن هذه القراءة تثير أسئلة نقدية متعددة حول العلاقة بين السلطة والخبرة، وتأثير الضغوط السوقية على المعايير الأخلاقية والمهنية، ودور الخبراء في تلبية احتياجات التنمية، ويمكن إدراج بعض الأبعاد النقدية والسوسيولوجية فيما سبق، حيث يمكن العروج إلى أبرز النقاط الأساسية:

  • ازدواجية دور الخبير بين المعرفة والسلطة، حيث يظهر الكاتب كيف أن الخبير يتحرك ضمن شبكات معقدة من العلاقات المهنية والسياسية والاقتصادية. هذا التداخل يثير تساؤلات عن استقلالية الخبير، حيث يتم توجيه جهوده أحيانًا لتلبية مصالح الجهات الممولة أكثر من تحقيق أهداف التنمية. يُبرز هذا النقد خطورة تحول الخبير إلى “أداة وظيفية” في خدمة السلطة السياسية أو المؤسسات المهيمنة.
  • المركزية الغربية في التنمية إذ تعكس استمرارية الهيمنة الفكرية الغربية من خلال الاعتماد على نماذج خارجية لا تراعي الخصوصيات الثقافية والاجتماعية. هذا الطرح ينبه إلى أهمية بناء نماذج تنموية تراعي السياقات المحلية وتعزز المشاركة الفعالة للمجتمعات في عمليات التخطيط والتنفيذ.
  • التنمية كأداة لإعادة إنتاج الهيمنة، حيث يشير الكاتب إلى وجود علاقات هرمية بين الجهات المانحة والمستفيدين، مما قد يؤدي إلى إعادة إنتاج الهياكل الطبقية بدلاً من تقويضها. تبرز هنا الحاجة إلى نقد نماذج التنمية التي تعيد إنتاج علاقات الهيمنة بدلًا من تعزيز العدالة الاجتماعية.
  • أخلاقيات العمل التنموي، يسلط الكاتب الضوء على غياب بعد إنساني وأخلاقي في العديد من الممارسات التنموية. يتم التركيز على النتائج التقنية أو الاقتصادية، في حين تغيب الاعتبارات المتعلقة بتعزيز كرامة الأفراد والمجتمعات. هذا يشير إلى الحاجة لإعادة التفكير في استراتيجيات التنمية لتكون أكثر إنسانية وشمولية.
  • المخاطر المهنية والشخصية للخبير

يعكس لنا الكاتب التحديات التي يواجهها الخبراء في سياقات مهنية وسياسية معقدة، بدءًا من الاتهامات بالتجسس إلى المخاطر الصحية والسياسية. هذه التحديات تعكس مدى هشاشة وضع الخبراء في مواجهة تقاطعات السياسة والاقتصاد.

بالإضافة إلى إشراك المجتمعات المحلية، إذ يؤكد الكاتب على أهمية الانتقال من نموذج “التنمية الفوقية” إلى نموذج تشاركي يعترف بالمجتمعات المحلية كشريك أساسي في عمليات التخطيط والتنفيذ.

ودمج القيم الثقافية والخصوصيات المحلية، حيث يدعو الكاتب إلى مراعاة التنوع الثقافي والظروف الاجتماعية والسياسية عند تنفيذ المشاريع التنموية. هذا النهج يعزز من فعالية التنمية ويجعلها أكثر استدامة.

فالتعاطف كإطار مرجعي يمكن أن يشكل التعاطف أساسًا لإعادة صياغة العلاقة بين الخبراء والمجتمعات المحلية، من خلال بناء شراكات مبنية على الاحترام المتبادل بدلاً من التدخلات الأحادية.

خلاصة أقول أن هذا القسم من الكتاب يمثل محاولة لتفكيك العلاقة المعقدة بين الخبرة والتنمية، مسلطًا الضوء على تحدياتها وفرصها. من منظور سوسيولوجي، يعكس النص الحاجة لتبني استراتيجيات تنموية أكثر إنسانية وتشاركية، مع ضرورة تقويض نماذج الهيمنة وإعادة التفكير في دور الخبراء. يمكن أن تشكل هذه الأفكار أرضية لإنتاج معرفي يتجاوز الأطر التقليدية، ويسهم في إحداث تحول نوعي في فهمنا للتنمية والخبرة على حد سواء.


التعليقات مغلقة.