الكلمة الكاملة لأخنوش في البرلمان حول “إصلاح التعليم”
كلمة السيد رئيس الحكومة جلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب حول موضوع: “إصلاح التعليم من مدرسة الريادة إلى جامعة التميز لبناء أجيال مغرب الغد” |
مجلس النواب، الاثنين 19 ماي 2025
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد رئيس مجلس النواب المحترم؛
السيدات والسادة الوزراء المحترمون؛
السيدات والسادة النواب المحترمون؛
يتجدد اللقاء بكم في هذه الجلسة الدستورية الهامة التي دأبنا على احترام مواعيدها طبقا لمقتضيات الفصل 100 من الدستور.
وأشكركم مرة أخرى على اختيارنا جميعا لهذا الموضوع الذي يكتسي طابعا استثنائيا ويحظى بالأولوية الاستراتيجية لدى الحكومة، ويبرز بالملموس حرصكم الشديد على تتبع تنزيل هذا الورش الوطني الكبير ضمن منظومة تفعيل الدولة الاجتماعية في شموليتها.
ولابد من التذكير أنه خلال 25 سنة منذ تربع جلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافه الميامين، شكلت قضية المدرسة المغربية أولوية وطنية لدى جلالته، حيث جعل نصره الله، في أول خطاب للعرش سنة 1999، من موضوع التربية والتكوين ثاني أسبقية وطنية بعد الوحدة الترابية.
كما شدد جلالته في خطاب العرش لسنة 2015 على أن “إصلاح التعليم يجب أن يهدف أولا إلى تمكين المتعلم من اكتساب المعارف والمهارات، وإتقان اللغات الوطنية والأجنبية، لاسيما في التخصصات العلمية والتقنية التي تفتح له أبواب الاندماج في المجتمع“. انتهى منطوق الخطاب الملكي.
المحور الأول: مرتكزات الإصلاح
وقد شكلت هذه الرؤية الملكية خيارا استراتيجيا ضمن أهداف وغايات القانون الإطار رقم 57.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي الذي أرسى تعاقدا وطنيا جديدا، وإطارا مرجعيا يمكن من إرساء مدرسة عمومية تتوخى تأهيل العنصر البشري، كما تضمن المساواة وتكافؤ الفرص وذلك بهدف تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في الارتقاء بالفرد وتقدم المجتمع.
ومع العناية السامية التي يوليها جلالة الملك، نصره الله، لملف التربية والتكوين، كانت اختياراتنا الحكومية واضحة، عبرنا عنها في البرنامج الحكومي الذي يشكل تعاقدنا السياسي مع المواطنين والمواطنات.
إننا في الحكومة نسجل وبكل اعتزاز المؤشرات الإيجابية التي يعرفها قطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، وذلك للاعتبارات التالية:
- وضوح العرض الحكومي ومصداقيته، والذي يولي أهمية كبرى للتعليم باعتباره من بين ركائز الدولة الاجتماعية، حيث تسعى الحكومة إلى رد الاعتبار لمهنة التدريس؛
- نجاح الحوار الاجتماعي القطاعي بالوزارة، والتي اعتمدت مقاربة تشاركية مع النقابات التعليمية؛
- تعبئة الموارد المالية اللازمة للإصلاح: حيت أن الحكومة تعمل على تعبئة 9.5 ملايير درهم إضافية كل سنة في أفق 2027، بما انعكس إيجابيا على الحياة اليومية لأسرة التعليم بالمغرب.
فمنذ تنصيب هذه الحكومة، جعلنا من إصلاح المنظومة التعليمية اختيارا سياسيا بأبعاد سيادية، يتجاوز منطق التدبير القطاعي، ويسير في اتجاه بناء مدرسة عمومية تضمن تنمية القدرات، وضمان الارتقاء الاجتماعي، وبالتالي الاندماج في مغرب المستقبل الذي نسعى إليه جميعا تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة.
فالقناعة الراسخة التي تحملها هذه الحكومة، هو أن الإصلاح الشمولي للمنظومة التعليمية يتطلب توفير الإمكانات المادية اللازمة، لأجل ذلك عبأت الحكومة خلال قانون المالية لسنة 2025 ميزانية إجمالية فاقت 85 مليار درهم مقابل 68 مليار درهم سنة 2019.
فالهاجس المشترك الذي يجمعنا (حكومة وبرلمانا)، هو إعادة بناء الثقة في المدرسة العمومية لدى الأسرة المغربية، حيث أكدنا غير ما مرة أن التدخلات الحكومية ترتكز على ضرورة إحداث قطيعة مع الأساليب السابقة في أجرأة الإصلاح، والتي كانت تحول دون تمكن التلاميذ من التعلمات الأساس خلال حياتهم المدرسية، والجواب كذلك على النسب المرتفعة للهدر المدرسي في صفوف التلاميذ خصوصا في المستويات الإعدادية والثانوية .
حضرات السيدات والسادة؛
وكما لا يخفى عليكم، فقد أظهرت التقييمات الوطنية والدولية (البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات PNEA 2019)، واختبارات التقييم الدولية PISA 2018))، حول مكتسبات التلاميذ، وجود أزمة حقيقية في التعلمات الأساس بالمدرسة المغربية.
حيث أبانت الدراسات أن 30% فقط من تلاميذ التعليم العمومي يتحكمون في المقرر الدراسي عند استكمال التعليم الابتدائي، في الوقت الذي احتل فيه المغرب المرتبة 75 من أصل79 دولة بالنسبة للتلاميذ المتوفرين على الحد الأدنى من الكفايات الأساس.
مع تفاقم ظاهرة الهدر المدرسي، إذ تسجل بلادنا منذ سنة 2016 ما يناهز 300.000 منقطع عن الدراسة سنويا داخل الأوساط الحضرية والقروية.
وأمام هذا الوضع المقلق لواقع المدرسة المغربية كان من الضروري تجديد اختياراتنا التربوية لتدارك الخصاص المسجل والدفع قدما نحو عودة المدرسة إلى لعب أدوارها الاجتماعية والاقتصادية.
فبعد المشاورات الواسعة التي أطلقتها الوزارة مع مختلف المتدخلين في القطاع التربوي تمت بلورة خارطة طريق لإصلاح التعليم 2022-2026 تستمد مرجعيتها من أحكام القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي كما تتقاطع مع التزامات البرنامج الحكومي الذي أولى عناية خاصة لمدرسة الجودة والإنصاف وتكافؤ الفرص، والتي ترتكز محاورها الأساسية على (التلميذ والأستاذ والمدرسة).
المحور الثاني: مؤسسات الريادة.. نفس جديد للمؤسسات التعليمية
لقد شكلت وضعية الارتقاء بالمدرسة العمومية أولوية استراتيجية لدى جلالة الملك حيث أكد حفظه الله بمناسبة افتتاح السنة التشريعية سنة 2017 على أن “المغاربة اليوم يريدون لأبنائهم تعليما جيدا لا يقتصر على الكتابة والقراءة فقط، وإنما يضمن لهم الانخراط في عالم المعرفة والتواصل، والولوج والاندماج في سوق الشغل ويساهم في الارتقاء الفردي والجماعي بدل تخريج فئات عريضة من المعطلين“. انتهى خطاب جلالة الملك.
لذلك كان التصور العام الذي نحمله داخل الحكومة للإصلاح التربوي يتوخى بالأساس إحداث نقلة نوعية في مسارات مدرسة المستقبل … نقلة مبنية أساسا على الرؤية الجديدة لمشروع مدارس الريادة الذي أطلقناه سنة 2022.
وهي تجربة رائدة نريد من خلالها توفير كل الشروط الضرورية لمدرسة جيدة للجميع وتحسين التعلمات من خلال الاعتماد على أساليب جديدة في طرق التدريس التي تضمن بلوغ الأهداف المبرمجة لهذا المشروع الحكومي.
فكما تعلمون، شكل الموسم الدراسي الماضي، الانطلاقة الفعلية لمشروع مدارس الريادة والتي شملت أزيد من 620 مؤسسة تعليمية ابتدائية واستفادة أزيد من 330.000 تلميذ وتلميذة داخل الأوساط الحضرية والقروية.
ومواكبة هذه المؤسسات ببرنامج طموح لمعالجة التعثرات TARL وفق المستوى المناسب لكل تلميذ وتقييم دقيق ومنتظم لدرجة التعلمات الأساس.
وقد كان لهذه التجربة نتائج جد مشجعة من خلال تحقيق تحولات مهمة في مستويات الإدراك لدى المتعلمين إذ سجل هذا النظام تحسنا ملموسا في التعلمات الأساس لدى التلاميذ (4 مرات في الرياضيات، 2 مرات في العربية، 3 مرات في الفرنسية) مما يعادل استدراكا للتعلمات ما بين سنة وسنتين من الدراسة.
حيث أن مدارس الريادة كان لها آثار إيجابية على المكتسبات التعليمية للتلاميذ في المواد الأساسية وقد ساهمت طرق التدريس الجذابة وبيئة التعلم الملائمة في تطور إدراك التلاميذ وتحقيق النجاعة في تفاعلاتهم داخل الفصل الدراسي.
مع العلم أن التلاميذ الذين ينتمون لمدارس الريادة حققوا خلال التقييمات المنجزة نتائج أفضل مقارنة مع أكثر من 82% من التلاميذ غير المستفيدين من هذا البرنامج وهي نتائج جد متقدمة فرضت علينا التسريع باستكمال تعميم هذا البرنامج الطموح.
وقد كان لهذه الحكومة الشجاعة السياسية الكافية لتقييم مشروع مؤسسات الريادة من طرف مؤسسات خارجية، وذلك بهدف ترصيد المكتسبات المحققة وفي نفس الوقت معرفة التحديات والصعوبات التي يجب العمل على تجاوزها.
وأمام هذه الحصيلة المشجعة، كان من الضروري تطوير هذا المشروع الثوري لصالح المدرسة العمومية، حيث كان الدخول المدرسي (2024-2025) محطة متميزة لاستكمال مسار تعميمه على الصعيد الوطني، والذي تزامن مع توسيع برنامج “مؤسسات الريادة” الذي وصل هذه السنة إلى 2.626 مؤسسة ابتدائية تضم أزيد من مليون و300 ألف تلميذ أي ما يعادل 30% من مجموع التلاميذ المتمدرسين.
حضرات السيدات والسادة؛
إننا ندرك تمام الإدراك أن تطوير المدرسة المغربية يظل رهينا بتحديث البنية التربوية، لذلك اتجهت الإرادة الحكومية إلى ضرورة تطوير المنظومة الرقمية لمدارس الريادة وتعميمها مستقبلا.
ففي إطار توسيع العرض المدرسي بالوسطين القروي والحضري، عملت الوزارة خلال السنة الدراسية الحالية على:
- إحداث ما مجموعه 189 مؤسسة ابتدائية، من بينها 129 مؤسسة بالوسط القروي.
- توسيع منظومة المدارس الجماعاتية في الوسط القروي لما لها من أدوار رئيسية في تقليص نسب الهدر المدرسي، حيث مكن التدخل الحكومي من بلوغ ما مجموعه 335 مؤسسة سنة 2025، بنسبة استهداف بلغت 90.000 تلميذة وتلميذ.
كما عملنا على توفير بنية رقمية حديثة تضمن الولوج العادل لجميع المتدخلين وتساعد على تطوير مهاراتهم التقنية فخلال هذا الموسم الدراسي قامت الوزارة بتجهيز أزيد من 30.000 قسم بالمعدات المادية والتكنولوجية والبيداغوجية اللازمة لإنجاح تجربة مؤسسات الريادة.
واسمحوا لي حضرات السيدات والسادة، أن أنوه عاليا بالانخراط المسؤول لمكونات الحقل التربوي ببلادنا، فمنذ انطلاق هذا الورش خلال الموسم الماضي ساهم أزيد من 44.000 من الأستاذات والأساتذة بالإضافة إلى مشاركة طوعية لأزيد من 560 مفتشا تربويا وأكثر من 2.626 مديرا داخل مدارس الريادة.
وفي نفس السياق، تملك الحكومة تصورا جديدا للتكوين والتكوين المستمر وتجديد طرق التدريس ينطلق من المواكبة المستمرة للأطر التربوية داخل الفصول الدراسية وقياس مستوى التعلمات وتقييمها بشكل منتظم.
وعلى هذا الأساس، تبين التقييمات التي أجرتها المؤسسات الوطنية (المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي على وجه الخصوص)، محورية وقيمة الدورات التكوينية المقدمة لفائدة الأساتذة، حيث أكدت النتائج المحصل عليها نجاح الممارسات التربوية وفقا لمقاربة TARLوالتعليم الصريح في الوسطين الحضري والقروي.
وفي نفس السياق عملت الوزارة على إطلاق دورات تكوينية في “التعليم الصريح” لفائدة أساتذة التعليم الابتدائي داخل مؤسسات الريادة، وذلك بهدف تمكين هذه الفئة من الكفايات اللازمة التي تشمل مجموعة من المقاربات وأساليب التدريس.
كما ستمكن هذه المقاربة من كسب رهانات التحكم في التعلمات الأساس وتجويدها باعتبارها مقاربة تنسجم مع أهداف مقاربة TARL وبالتالي استفادة جميع المتعلمين من الدرس التربوي.
وبشكل عام، فقد سجلنا بإيجابية كبيرة انخراط الأساتذة في أهداف ومبادئ برنامج مدارس الريادة حيث تبين بالملموس أن منهجية القرب والتجاوب السريع مع القيادة المركزية والجهوية للبرنامج ومع المفتشين التربويين، ساهمت بشكل واضح في تماسك المنظومة التربوية.
وبهدف توفير كل شروط نجاح هذه التجربة قامت الوزارة المعنية بخلق آلية التيسير ومواكبة المؤسسات التعليمية المعنية، وهي آلية تضم أكثر من 200 ميسّر ومنسق تغطي جميع المديريات الإقليمية.
كما تضم 92 من المنسقين الجهويين والإقليميين يتوفرون على خبرة تربوية، مع العلم أن أزيد من 135 مشارك يتم تكوينهم كميسرين سيعملون على خلق آليات للقرب وإيجاد الحلول لعدد من المشاكل داخل الفضاءات التربوية.
وتتوخى هذه الآلية المحدثة تحقيق 3 أهداف رئيسية:
- أولا: مواكبة انخراط مؤسسات الريادة الجديدة وإعدادها للدخول المدرسي المقبل من حيث التجهيزات والبنية التحتية والتكوينات الضرورية.
- ثانيا: مواكبة مؤسسات الريادة في تنزيل الأهداف الاستراتيجية لخارطة الطريق.
- ثالثا: تقديم الدعم لمديري المؤسسات التعليمية التي تواجه صعوبات إلى جانب فرقهم الإدارية والتربوية.
إعداديات الريادة، مسار لإعداد أجيال أكثر اندماجا
حضرات السيدات والسادة؛
وأمام النتائج الإيجابية المحققة في مؤسسات الريادة بالتعليم الابتدائي، ووعيا بالتحديات الكبرى بمؤسسات التعليم الإعدادي وخصوصا إشكالية الهدر المدرسي في صفوف التلاميذ، أطلقنا خلال الموسم الدراسي الحالي تجربة جديدة لإعداديات الريادة في إطار رؤية شمولية لمدرسة المستقبل.
حيث تم الشروع هذه السنة في أجرأة برنامج “ إعداديات الريادة” في مؤسسات التعليم الثانوي الإعدادي وفق مقاربة تشاركية مع مختلف الفاعلين التربويين، والتي تروم تحقيق تحول نوعي في أداء المؤسسات العمومية داخل هذا السلك التربوي.
فالحكومة من خلال هذه التجربة الأولية داخل إعداديات الريادة (حوالي 230 ثانوية إعدادية أي ما يعادل 10% من مجموع الإعداديات، واستفادة أزيد من 200.000 تلميذ، وبتأطير من 600 مفتش، وأزيد من 6.000 أستاذ)، تسعى لتقليص نسب الهدر المدرسي، والرفع من فرص التلاميذ، وتعزيز قدراتهم الذاتية.
ويرتكز هذا البرنامج داخل إعداديات الريادة على أربع محاور رئيسية:
- أولا: مواكبة وتنفيذ مشروع المؤسسة، خاصة من خلال توفير الأطر الإدارية والتربوية اللازمة، وفي نفس الوقت توفير التجهيزات الرقمية داخل الفصول التربوية.
- ثانيا: توفير معالجة وقائية ودعم ومواكبة شخصية التلاميذ، والتي تستلزم توفير حصص للدعم والتقوية في الكفايات الأساس داخل إعداديات الريادة اعتمادا على التدريس بمقاربة TARL، وتفعيل خلايا اليقظة بالنسبة للتلاميذ المهددين بالهدر المدرسي، والحرص على المشاركة في الأنشطة الموازية والرياضية والمواكبة النفسية والاجتماعية للتلاميذ.
- ثالثا: مواكبة الأساتذة وتمكينهم من الممارسات البيداغوجية الناجعة، حيث عملت الوزارة على توفير العدة البيداغوجية للأساتذة وخلق آليات وتقييم التلاميذ، بالإضافة إلى تجهيز القاعات الدراسية التي تستعملها الموارد البيداغوجية الرقمية.
- رابعا وأخيرا: تعزيز تفتح التلاميذ ونموهم الذاتي من خلال الأنشطة الموازية والرياضية، وفي هذا الإطار تقوم المؤسسات المعنية بأنشطة وعروض متنوعة في عدد من المجالات الموازية: المسرح، الفنون والموسيقى، الحس المقاولاتي…
ولإنجاح هذه التجربة تستفيد إعدادية الريادة من الدعم اللازم الذي يمكّن من تحسين ظروف العمل والاستقبال لفائدة التلاميذ والأساتذة.
وذلك عبر إعادة تأهيل الفضاءات العامة والفصول الدراسية والمرافق الرياضية والاجتماعية وتجهيز القاعات الدراسية بالوسائل الرقمية، وخلق فضاءات مخصصة للأنشطة الموازية.
وفي نفس السياق، خصصنا اعتمادات إضافية لفائدة مختلف المنخرطين في إعدادية الريادة، من خلال رصد 200.000 درهم سنويا كحد أقصى لتمويل هذا المشروع.
بالمقابل، عملنا على إطلاق عدد من التكوينات بالنسبة للأطر الإدارية في مجالات إعداد وتنفيذ هذا المشروع وتنشيط خلايا اليقظة، واستفادة الأساتذة العاملين بإعدادية الريادة من دورات تكوينية في مجال تعزيز السلوك الإيجابي والتدريس بمقاربة TARL.
وبالنظر للخصوصية العمرية للتلميذات والتلاميذ، استفاد أزيد من 84 متخصصا اجتماعيا من تكوينات متخصصة ضمن مهامهم في خلايا اليقظة، وذلك للعمل على المواكبة الشخصية للتلاميذ من خطر الهدر المدرسي والسلوكيات السلبية التي تظهر على التلاميذ خلال فترات عمرية محددة.
لذلك نتطلع إلى أن تشكل تجربة إعداديات الريادة محطة مفصلية في اكتساب الحد الأدنى من التعلمات الأساس لدى التلاميذ، أو انخراطهم في التكوينات الموازية لضمان اندماجهم الاقتصادي والاجتماعي، ما من شأنه التقليص من أعداد الشباب المغربي الذي لا يعمل ولم يتلقى أي تعليم أو تدريب( NEET) .
وأود أن أشير إلى أن متوسط تكلفة تنفيذ نموذج مدرسة الريادة (خارج كتلة الأجور) تصل إلى 25.000 درهم لكل قسم بالنسبة للتعليم الابتدائي، و30.000 درهم لكل قسم للتعليم الإعدادي، وذلك خلال السنة الأولى فقط، أما مصاريف التسيير السنوي فتقدر بــ 8.000 درهم لكل قسم في التعليم الابتدائي و12.500 للتعليم الإعدادي.
وأود التأكيد أمامكم حضرات السيدات والسادة، أن الحكومة لا تسعى من خلال تجربة مدارس وإعداديات الريادة خلق نموذج لمدارس نخبوية أو فئوية بقدر ما نحن ملتزمون بجعلها انتقالا نحو “ مدرسة المستقبل”، التي تضمن الجودة والإنصاف والعدالة التربوية لجميع أبناء المغاربة على اختلاف مستوياتهم.
ولاشك أن مصادقة الحكومة على مشروع القانون رقم 21- 59 المتعلق بالتعليم المدرسي يشكل محطة متميزة في مسار تنزيل الأوراش الكبرى للإصلاح التربوي، ولاسيما الالتزامات الواردة في خارطة الطريق 2022-2026، وبالتالي إرساء نموذج المدرسة الجديدة التي يجسدها مشروع مؤسسات وإعداديات الريادة، بهدف ترسيخ مدرسة المساواة وتكافؤ الفرص والجودة للجميع.
وفي هذا الصدد أدعو البرلمان وجميع القوى الحية ببلادنا إلى إيلاء العناية اللازمة لهذا المشروع النموذجي، وفتح النقاش العمومي حول مستقبل المدرسة المغربية بما يخدم مصلحة أبناء وبنات المغاربة، ويرسخ توافقنا الجماعي حول القضايا الكبرى للمملكة.
المحور الثالث: التعليم العالي.. استكمال مسار المعرفة وتطوير للموارد البشرية
السيد الرئيس المحترم؛
السيدات والسادة النواب المحترمون؛
نسجل بكثير من الجدية والمسؤولية الأجواء الإيجابية التي ميزت الدخول الجامعي الحالي، والذي يكرس الانطلاق الفعلي والانتقال إلى السرعة القصوى في تنزيل الأوراش الاستراتيجية للمخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار 2030.
وهو تصور نروم من خلاله مواصلة إرساء نموذج جامعي بمعايير دولية يرتكز على التمكين والتعلم مدى الحياة، مما يمكن من الارتقاء بجودة الرأسمال البشري وجعله رافعة للتنمية الشاملة ببلادنا، استنادا للتوجيهات الملكية السامية والتي تتقاطع مع مخرجات القانون الإطار 17-57 والالتزامات الواردة في البرنامج الحكومي المتعلقة بتطوير الجامعة المغربية.
بالإضافة إلى الانكباب على مواكبة الأوراش التنموية ذات الأولوية من حيث الكفاءات وقدرات البحث والابتكار، وكذا الرفع من قابلية التشغيل لدى الخريجين من خلال تكوينات ذات جودة عالية، ثم ضرورة ترسيخ قيم المواطنة والتشبث بالهوية الوطنية لدى الطلبة.
وبالنظر لحجم الإصلاحات التي أطلقتها الحكومة في الجامعة المغربية، عرفت هذه السنة إقبالا متزايدا على التكوينات الجامعية، إذ وصل عدد الطلبة المسجلين خلال هذه السنة ما يناهز 1.3 مليون طالب، (أزيد من 344.000 طالب جديد)، 91% منهم مسجلين بالجامعات العمومية.
فخلال السنة الجامعية الحالية، تواصل الحكومة تفعيل الإصلاح البيداغوجي الجديد، وتقديم عرض تكويني متنوع يواكب الحاجيات الوطنية، حيث تم اعتماد ما يقارب 4.000 مسلكا جديدا (1.000 مسلك في مؤسسات التعليم العالي الخاصة و3.000 مسلك في مؤسسات التعليم العالي العمومي).
كما عملنا على إحداث مراكز جديدة للتميز “tamayouz center” لتكريس التميز الأكاديمي بالمؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، والتي وصلت خلال هذه السنة إلى أكثر من 82 مركزا جديدا تضم حوالي 186 مسارا بأكثر من 15.000 طالب وطالبة، وهي مراكز موجهة نحو مهن المستقبل، كما تنسجم مع متطلبات المحيط السوسيو اقتصادي والأولويات الوطنية.
وفي سياق انخراط الجامعة المغربية في تدعيم الأوراش الاجتماعية والاقتصادية التي تقودها الحكومة تحت التوجيهات الملكية السامية، يرتكز العرض التكويني في مؤسسات الاستقطاب المحدود على ضرورة إعداد الرأسمال البشري القادر على مواكبة التحولات الكبرى التي تعيشها المملكة.
وفي هذا الصدد، تسعى الرؤية الحكومية في هذا المجال إلى تحقيق 5 مكتسبات رئيسية:
- أولا: بلوغ عدد إجمالي 100.000 خريج في أفق 2027 من المهندسين والتقنيين والأطر المتوسطة لمواكبة تطور الصناعة الوطنية والاستثمارات المحدثة؛
- ثانيا: الرفع من كثافة مهنيي قطاع الصحة في أفق 2030؛
- ثالثا: تكوين المساعدين الاجتماعيين لبلوغ 10.000 خريج في أفق 2030؛
- رابعا: تكوين أساتذة سلكي الابتدائي والثانوي والرفع من عدد المسجلين إلى 50.000 في أفق نهاية 2025؛
- خامسا وأخيرا: تعزيز أعداد خريجي الجامعات المغربية في التخصصات الرقمية بهدف بلوغ 22.500 خريج في أفق 2027.
حضرات السيدات والسادة؛
ولأجل النهوض بمنظومة البحث العلمي والابتكار، تعمل الحكومة على التنزيل الفعلي لإصلاح سلك الدكتوراه وذلك باعتماد أكثر من 245 مسلكا للدكتوراه تضم أزيد من 11.700 طالب بالرسم السنة الجامعية 2024-2025، في المجالات ذات الصلة بالأولويات التنموية الوطنية.
كما نواصل تنزيل البرنامج الوطني لتكوين 1.000 طالب دكتوراه من الجيل الجديد بمشاريع بحثية متميزة، تسند إليهم مهام التأطير البيداغوجي للدروس التوجيهية والتطبيقية، مقابل منحة شهرية صافية في حدود 7.000 درهم.
ولأول مرة يتم تعزيز الشراكة مع القطاعات الوزارية لتحفيز البحث العلمي، حيث ستقدم وزارة الصناعة والتجارة 1.000 منحة إضافية لإنجاز بحوث الدكتوراه داخل المقاولة، و30 منحة إضافية من طرف وزارة الداخلية لإنجاز بحوث مرتبطة بالمخاطر الطبيعية، بالإضافة إلى 550 منحة دكتوراه إضافية مقدمة من طرف وزارة الانتقال الطاقي في مجال الرقميات والذكاء الاصطناعي والأمن الرقمي.
إضافة إلى تزويد220 موقعا جامعيا وحيا جامعيا في جميع أنحاء المملكة بالأنترنيت عالي الصبيب من الجيل الجديد WIFI6، وخلق مضامين بيداغوجية رقمية على منصة Moodle في جميع الجامعات المغربية.
ضمن هذا المسار التحولي لمنظومة التعليم العالي، تشكل تجربة مراكز ” CODE212 ” التي أطلقتها الوزارة السنة الماضية فضاء مبتكرا للتكوين في مجالات الرقمنة، وذلك بهدف تمكين الطلبة من المهارات الرقمية والتكنولوجية لمواجهة التحديات العلمية الجديدة.
واعتمدت الوزارة هذه السنة آلية فريدة تتلاءم مع خصوصية الجيل الجديد، من خلال إطلاق تطبيق” الجامعة المغربية الذكية MyMoroccanUniv“، لفائدة الطلبة الجامعيين في إطار ورش التحول الرقمي بالجامعات المغربية.
وفي علاقة بانفتاح الجامعة على باقي الفاعلين وعلى محيطها الخارجي، تستمر الحكومة في دعم برنامج مجمعات الابتكار بشراكة مع القطاعات الوزارية الأخرى.
حيث تم إعداد مشاريع إنجاز 3 مجمعات للابتكار في جامعة الحسن الثاني وجامعة ابن طفيل وجامعة مولى إسماعيل، بالإضافة إلى 6 مجمعات محدثة في السابق، وذلك بقيمة استثمارية تفوق 296 مليون درهم، وإطلاق برنامج نقل التكنولوجيا Tech Transfer الذي يضم11 مشروعا بميزانية إجمالية تناهز 60 مليون درهم.
حضرات السيدات والسادة؛
وإذ نستعرض أمامكم مسار تكريس أسس مدرسة المستقبل التي نراهن عليها لتكوين جيل جديد من أبناء المغاربة، والذين سيشكلون جزءا لا يتجزأ من آفاق ورهانات مغرب المستقبل الذي نطمح إليه جميعا.
فلابد من التذكير بالإنجازات الكبيرة وغير المسبوقة التي حققتها الحكومة خلال 3سنوات الماضية لصالح قطاع التربية والتكوين.
فمن باب الوفاء بالتزاماتنا، تمكنت الحكومة من تسوية عدد من الملفات داخل قطاع التعليم، وتحسين الوضعية المادية والاعتبارية لرجال ونساء التعليم.
فقد تميزت السنة الماضية بإقرار النظام الأساسي الخاص بموظفي التربية الوطنية الذي شكل لحظة متميزة من التوافق الوطني، نريد من خلاله تحقيق نهضة تربوية شاملة، ورد الاعتبار لمهنة التدريس ببلادنا.
وبجرأة سياسية منقطعة، تحملنا مسؤوليتنا التاريخية لطي ملف المتعاقدين بشكل نهائي، وذلك بعد ترسيم أزيد من 115.000 موظفة وموظف بالقطاع، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتسوية وضعيتهم المالية والإدارية ابتداء من يوليوز 2024 بقيمة إجمالية تجاوزت 2 مليار و400 مليون درهم.
كما تم في هذا الصدد تفعيل الزيادة العامة في الأجور البالغة 1.500 درهم، وذلك باستفادة 330.000 موظف من الشطر الأول من هذه الزيادة بكلفة مالية بلغت حوالي 5 مليار درهم.
كما تم صرف التعويضات التكميلية لفائدة 100.000 موظف بقيمة إجمالية تناهز مليار درهم، بالإضافة إلى تنظيم الترقية بالاختيار برسم سنة 2022 لحوالي 12.000 موظف بتكلفة فاقت 2 مليار درهم.
وخلال هذه السنة الجارية 2025، قامت الوزارة بتسوية الوضعية الإدارية والمالية، ولاسيما أداء المستحقات الناجمة عن التوظيف والترسيم والترقية عن طريق الامتحان ابتداء من نهاية يناير 2025، ومواصلة أداء المستحقات المتعلقة بالترقية في الرتبة بأثر رجعي من سنة 2017 إلى غاية سنة 2023.
وهذا في حد ذاته يؤكد الروح الإيجابية والعلاقة المثمرة التي تجمع الحكومة بالمركزيات النقابية داخل الحوار الاجتماعي القطاعي، وذلك بهدف تسوية كل الملفات المتبقية، بما ينعكس إيجابا على تحسين وضعيتهم المهنية والاجتماعية على حد سواء.
ولأن نجاح مدرسة المستقبل يحتاج لموارد بشرية مؤهلة تجعل من ممارسة التدريس قناعة شخصية واختيارا مهنيا، وليس وسيلة للحصول على وظيفة، فقد أشرفت الحكومة منذ سنتها الأولى على توقيع الاتفاقية الإطار لتنفيذ برنامج تكوين أساتذة التعليم الابتدائي والثانوي، وإرساء هندسة جديدة للتكوين هدفها الأساسي الرفع من جودة التربية والتكوين ببلادنا، بميزانية إجمالية تقارب4 مليار درهم إلى غاية نهاية سنة 2025.
ولا تفوتني الفرصة للتأكيد على أن الحكومة منذ وقوع زلزال الحوز تجندت لمواصلة تفعيل البرنامج العام لتأهيل وإعادة بناء المؤسسات التعليمية المتضررة، من خلال استكمال تأهيل وإعادة بناء ما يفوق165 مؤسسة تعليمية، ومواصلة الأشغال في أكثر من 763 مؤسسة تعليمية، والتي ستكون جاهزة خلال الدخول المدرسي المقبل.
كما يشكل الدعم الاجتماعي أهم مرتكزات مضامين خارطة الطريق 2022- 2026، والذي يستهدف جميع المتعلمين من أبناء المغاربة خاصة التلاميذ الذين ينتمون للأوساط الفقيرة والهشة، وربط عمليات الاستهداف بمعطيات السجل الاجتماعي الموحد.
وفي هذا السياق بلغ عدد المستفيدين من منحة الدخول المدرسي في إطار نظام الدعم الاجتماعي المباشر ما يناهز 3 مليون و100 ألف تلميذ وتلميذة.
كما وصل عدد التلاميذ المستفيدين من المطاعم المدرسية115.000 تلميذ بزيادة %3 مقارنة مع السنة الماضية، كما بلغ عدد التلاميذ المستفيدين من خدمات النقل المدرسي أزيد من 640. 000 تلميذ بزيادة %10 مقارنة مع الموسم السابق.
وأثير انتباهكم إلى أن الحكومة عملت بشكل مباشر على الحفاظ على أسعار الكتب للحفاظ على القدرة الشرائية للأسر المغربية بنسبة %25 للكتب الموجهة للمستويات التعليمية بالسلك الابتدائي والإعدادي والثانوي.
السيد الرئيس المحترم؛
السيدات والسادة النواب المحترمين؛
إننا ندرك أن إصلاح التعليم ورش عميق يتطلب نفسا طويلا، وصبرا مؤسساتيا، وإرادة سياسية صلبة، خاصة وأن ثماره لا تقطف خلال ولاية حكومية، بل تبنى بتراكم الجهود على المدى المتوسط والطويل.
وإذ نلتزم اليوم، بكل جدية، على تحمل المسؤولية في هذا القطاع الحساس، فإننا نراهن على القطع مع نهج التردد والتأجيل الذي طبع مجموعة من التجارب.
ولذلك، غا نواصلو بناء مدرسة الجودة والنجاح لأجيال الغد..
… ونواصلو بناء منظومة جامعية مبتكرة لتحقيق الارتقاء الاجتماعي لشباب المستقبل..
… ونواصلو بناء الدولة الاجتماعية، التي تستثمر في الإنسان..
… ونواصلو بناء مغرب التنمية المستدامة، مغرب الكرامة، الذي لا مكان فيه للتهميش أو الإقصاء..
… ونواصلو العمل لبناء وطن يتحقق فيه حلم كل مواطن في العيش بكرامة، في مجتمع يضمن العدالة الاجتماعية، ويضع أمام الجميع فرص التقدم والنماء..
… ونواصلو الطريق الذي يضمن لنا مغربا، كما يريده جلالة الملك، مغرب يليق بمستقبل أبنائنا وأجيالنا القادمة.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
التعليقات مغلقة.