باحث يبسط موجزا عن تاريخ الخمر في إقليم شفشاون

  •  ياسين اغلالو، باحث في التاريخ:

عرف إقليم شفشاون شأنه شأن باقي أقاليم شمال المغرب في فترات مختلفة من تاريخه انتشار صناعة الخمور وتعاطيها، وهو ما أشار إليه محمد ياسر الهلالي في مقال نشرته مجلة زمان إلى كون منطقة شمال المغرب كانت “أكثر استهلاكا للخمور من جنوب” ، وهو ما تؤكده العديد من المصادر الكلاسيكية. على الرغم من كونها نأت عن الخوض في موضوع الخمر، لكونه يصنف ضمن المحظورات، وكان طبيعيا أن تضم الكتب الفقهية معلومات عنه في اتجاه الحث عن اجتنابه، باعتباره، من وجهة نظر الفقهاء، أم الخبائث.

على الرغم من أن “موضوع الخمر لا زال بكرا” ، حسب قول الباحث “محمد عمراني”، “ويستوجب بحثا معمقا من أجل الوصول إلى نتائج من شأنها أن تكشف عن بعض المسكوت عليه في حياة العصر الوسيط المغلفة بالإطار الديني الذي يحول دون طرق أبواب هذا الموضوع” حسب تعبير الباحث نفسه.

ويبدو من خلال إطلالة على جغرافية التصنيع والزراعة يتبين أن أبناء هذا الإقليم اهتموا بزراعة الكروم باعتبارها المادة الأساسية في صناعة الخمور خلال فترات مختلفة من تاريخهم، وقد ساعدتهم على ذلك العوامل الطبيعية، كتوفره على شبكة مائية مهمة، وتربة فتية وغنية.

وقد اختلفت كثافة إنتاج الكروم من منطقة لأخرى، حسب اهتمام السكان، والمعطيات الطبيعية مما جعل كل منطقة تتميز بنوع من الخمور، ويشير ليون الأفريقي على سبيل المثال عن جبل بني رزين كونهم ” يجنون ويملكون كروماً كثيرة “. وفي قبيلة بني جبارة : تمر بعض الجداول الصغيرة في سفحه المغطى بالكروم وأشجار التين ، وفي جبل تيزرن “عيون عديدة وغابات وكروم” .وفي حديثه على جبل بني زروال في فترة الرواشد أشار إلي كون هذا الجبل غرس فيه الكثير من الكروم . كما وصف الرحالة شارل دوفوكو Charles de FOUCAULD منطقة الأخماس كونها تكثر فيها زراعة الكروم ، وهو نفس الشيء الذي أشار إليه أوجست مولييراسAuguste MOULIERAS أثناء حديثه عن قبيلة الأخماس حيث يشير أنه كان ” كل مسكن محاطا بأشجار البرتقال والجوز والزيتون التي تتسلقها كروم عريشة ضخمة” .

تبين هذه الشذرات عن كون سكان إقليم شفشاون قد اهتموا بغرس الكروم نظرا لأهميتها في حياتهم اليومية، وقد كانت كميات هامة من الكرم يتم تحويلها إلى خمور، وملاحظ أن تعامل المصادر التي تطرقت إلى تاريخ شفشاون وباديتها مع ظاهرة الخمور هامشيا، كما أشرنا سلفا، ولم تكلف نفسها عناء الخوض في هذه الآفة. ومن خلال تتبع كل من كتاب “وصف إفريقيا”، للحسن الوزان، وكتاب مارموركربخال، “أفريقيا”، فقد أشار الكاتبين لهذه الظاهرة وكشف بعض الغموض عنها. فالحسن الوزان يتحفنا بمعلومات مهمة حول المناطق التي كانت تستهلك فيها الخمور، فناحية غمارة يقول : “يشربون الخمر خلافاً لتعاليم الإسلام” ، أما في قبيلة بني منصور تحدث عن كون “سكانه شجعان أشداء، لكنهم دائما سكارى، يجنون كثيرا من العنب وقليلا من الحبوب، إلا أنهم فقراء، لأن جبلهم لا ينتج إلا العنب” ، وفي حديثه على جبل رهونة تحدث عن كونه يكثر فيه العسل والعنب، وهي من أهم المواد التي كان تستخدم في تصنيع الخمور. كما كان أهل رهونة، يعصرون الخمر الأحمر والأبيض لاستهلاكهم الشخصي . فيما وصف أهل بني جنفن بأنهم ” كلهم سكيرون يعبدون الخمر، ولا يجني من هذا الجبل أي نوع من الحبوب، وإنما ينتج كميات ضخمة من العنب” .

وفي معرض حديث مارمور كربخال Marmol CARVAJAL عن أحد فروع قبيلة غمارة المعروفة ببني بوسيت يذكر كربخال أن أهلها “سكيرون يملكون كمية كبيرة من الكروم ، مشيرا إلى جودتها بقوله : ” تستخرج منها ( الكروم) صهباء جيدة” ، وقد اشتغل أيضا يهود شفشاون بصناعة الخمور، وبطبخه، وقد كان الإنتاج ينقسم إلى قسمين كبيرين، قسم وجه للاستهلاك الشخصي، وهو ما أشار إليه أوجست مولييراس أثناء إقامته في ملح المدينة، “واليهود هنا يسكرون بالليل حتى الثمالة بماء الحياة (ماحيا) .

وقسم يوجه للمتاجرة به، حيث يشكل مصدر عيش بعضهم، فقد أشار نفس المصدر إلى أن قبيلة الأخماس وبعد أن تنتهي المحاضرات، يتفرق طلبة في القرية لاستجداء طعام العشاء، والذي كان مكون حسب قوله من اللحم والبيض والعسل والصامت وحتى الخمر والخل وماء الحياة وهو نوع من الكحول الذي يصنع ويباع خفية، من طرف يهود الشاون .

وقد تسببت هذه الظاهرة الاجتماعية في العديد من المشاكل وخلافات، ويذكر محمد بن عسكر الحسني أثناء حديث عن سيرة والدته عائشة بنت أحمد الإدريسية في كتاب دوحة الناشر، أنه في سنة سبع وخمسين وتسعمائة، وأثناء تحضيرهم لاحد الأعياد، كانت أمه واقفة في صحن الزاوية، والطعام يفرق على النساء والصبيان، وإذا برجلين متلصصين أخذ فيهما الشراب فخرجا في الليل بسكاكينهما على عادة أهل الفساد .

التعليقات مغلقة.