أبو المعالي: وقف التهريب.. يجب على أحد أن يدق الجرس!
منير أبو المعالي/ سكرتير تحرير جريدة أخبار اليوم:
كان ينبغي على التهريب أن يصنع الرفاهية، لكنه، وبمجرد ما ساءت الأحوال، حول جيشا بشريا بالكامل إلى مشردين.
حكيت القصة مرارا حول تاريخ عريق في التهريب، حيث كان الفقر في مناطق الحزام الحدودي الشمالي خيارا وليس ضرورة. يمكن أي امرئ أن ينهض من فراشه مبكرا، ويضع جواز سفره في جيبه، ثم يعود بعد ساعتين بثروة صغيرة. طيلة حوالي ثلاثين عاما، كانت هذه هي الملخصات الروتينية لرواية تلك البلاد.
ولكن، ما كان يوما تجارة مزدهرة تغذي تماسكا مجتمعيا، سيصبح، في الوقت الحالي، مجرد ذكريات تُروى بمرارة. على طول الشريط، من بلدة بيلونيش، مرورا بالفنيدق ثم المضيقوتطوان، كانت تلك الفجوة الصغيرة على الحدود بين المغرب ومدينة سبتة، بمثابة طريق ذهب.
كان الآلاف من الناس تتغير حياتهم نحو الأفضل بسرعة قياسية، وكان جديرا بالملاحظة رؤية مظاهر الترف في هذه المناطق في بلاد مازالت تعاني هشاشة عظيمة. لقد صنع التهريب تاريخا مجيدا لحوالي نصف مليون شخص، وها هم الآن بصدد خسارة كل شيء.
مواجهة الحقائق كما هي تتطلب شجاعة كبيرة، إن كانت أولى هذه الحقائق ستلقي بك في الشارع. لكننا لسنا مطالبين هنا برسم صورة عما يحدث على الأرض. الوقائع واضحة. إنما ينبغي فعله هو تحليل الطريقة التي يمكن بواسطتها القبول بتعريض نصف مليون شخص لذلك الجحيم.
في الصورة العامة، هناك عمليات رسمية براقة؛ إيقاف الاستنزاف الطويل للاقتصاد المحلي بالضغط على فجوات التهريب. يمكن النجاح، من الوجهة التسويقية، في دفع الناس إلىعدم التساؤل إن كان الأمر يتعلق بتهريب المخدرات على سبيل المثال. هذه تجارة نخبوية، وتأثيرات أي أعمال اجتثاث لها في المجتمعات المحلية قد تكون محدودة.
على عكس ذلك، يشكل التهريب على الشريط الحدودي الشمالي متوالية غذائية تبدأ من العامل في حمل الرزم في المعبر، وتصل حتى بائع السجائر على قارعة الطريق في حي هامشي في تطوان.
نجحت السلطات في اختراع مصطلح في مقاومة التهريب، هو «التهريب المعيشي». الواقع المعاش، في الحقيقة، لا يبين أن لهذه العبارة تطبيقات عملية. بقي التهريب هو هو. بل وماهو أكثر؛ في فترات طويلة، كان التهريب المنظم منتعشا، فيما كان يجري التضييق على التهريب المعيشي، إن كنا، على كل حال، راضين بربط العبارة بمردوديتها الربحية علىالعاملين.
كانت الجمارك تتصرف في تلك المنطقة باستراتيجيات غريبة، ومن الصعب القول إن هذه الإدارة طبقت يوما ما معالجة جوهرية. لقد كانت مكتفية بمراقبة الوضع عن كثب، وفي بعضالأحيان، أو كثيرها –ربما– الاستفادة منه.
يمكنك تبين ذلك من تحاشي إعلان أي عمليات حيازة للبضائع في أغلب الأحوال. وبالنسبة إلى الشرطة وباقي قطاعات السلطة المحلية،فإن التهريب لم يكن يعنيها على ما يبدو. تظهر السلطات نفسها موقفا متجاهلا للوضع المتفاقم حاليا. وفي الغالب، ستتحمل الشرطة عبء تطويق التأثيرات الجانبية.
إننا الآن إزاء قرار مركزي، يختلط فيه ما هو اقتصادي بما هو سياسي. الحكومة وهي تقرر إغلاق معبر رئيس لتغذية نصف مليون شخص، دون أي مخططات للاحتواء، إنما سعتإلى التضحية بمجتمعات محلية دون أن تقدم أي إيضاحات.
يجب على أحد ما أن يدق الجرس لمن يرغب في سماعه. الناس الذين يكتمون أنفاسهم، بكل صبر، وبقابلية لتصديق كلالإشاعات، سيتحولون، بشكل سريع، إلى هدير مدو في الشارع. النكسات عادة تكون مكشوفة، لكن، لأسباب غريبة، لا يرغب الإداريون في رؤيتها.
نفذت السلطات الحكومية برنامجا واسعا لتنمية البنيات التحتية بهذه المناطق. ذلك صحيح. لكن من العسير ربط مستقبل كل هؤلاء الناس بنشاط موسمي. كما أن البلديات، وسلطاتالرقابة الإدارية، لا تملك أجوبة محددة عما يتعين فعله لتحويل منطقة حققت ازدهارها بواسطة نشاط مشروع، إلى منطقة تطمئن إلى نفسها وهي تعمل وفقا للقانون. وفقاعة العقار السياحي وقد أحدثت وقعها هناك طيلة عشر سنوات، ها هي الآن بصدد الانكماش.
لقد أصيبت منطقة برمتها بالتخمة من وراء مشاريع لم يكن من ورائها طائل كبير. تبقى الفنادق فارغة على عروشها عشرة شهور في العام. لم تستفد هذه المناطق من عوائد الميناء المتوسطي سوى بشكل نادر ومحدود للغاية. لا يشعر الناس هناك بأن لديهم صلة بالميناء وهم على مقربة بضعة أميال منه فحسب. يمكن ملاحظة الركود بوضوح في كل مكان، ويظهر أن الناس قد شرعوا في الاستئناس به.
ومثل هذا الاستئناس يوحي بالخداع، فهو غير مبشر بأي منافع. من غير المنطقي أن تترك الناس عراة وتتوقع ألا يحدث شيء، سيكون ذلك غباء. لكن ما فعلته السلطات الحكومية هو هذا بالضبط؛ لقد خططت لسفر مضطرب دون أن تربط حزام الأمان.
ليست هناك مشاريع صناعية على قدر من الأهمية في هذه المنطقة، ولقد أشارت الأرقام بوضوح إلى حجم الإفلاس الذي أصاب المقاولات هناك. وما هو موجود، فهو يحس بالتخمة. العثور على عمل أمر متعب، وفي الغالب دون جدوى. والأشخاص الذين يعانون البطالة، والمتزايدة أعدادهم،لديهم خطط بديلة في هذه الأثناء؛ الطريق شمالا نحو الجار.
على السلطات الحكومية ألا تشعر بالمفاجأة. وبعض الحالات تحتاج فقط إلى فتيل مناسب. في الفنيدق، وهي مدينة أعرفها عن ظهر قلب، فإنك في مواجهة أزيد من مائة ألف منالمواطنين في رقعة ليس فيها أي شيء مدر للدخل على نحو جماعي. وفي المضيق، على مبعدة بضعة كيلومترات، لا يوجد شيء غير بعض قوارب الصيد المحكومة بأهواء البحر وحظوظه. لا يمكن تحويل مدن بالكامل إلى مدن أشباح معظم فترات العام، ثم الشعور بالحبور من عدم القدرة على العثور على شقة في شهر واحد.
من المهم، إن لم يكن ملحا بالدرجة نفسها، التخطيط لبرنامج إعادة تأهيل الاقتصاد المحلي المنهار. على غرار الحسيمة، يمكن الموظفين البيروقراطيين أن ينصتوا، مرة أخيرة، إلىالسياسيين المؤهلين والنزيهين بشأن إعادة تعريف تنمية مناطق الحدود هذه. وكيفما كانت التكلفة، فإن السلطات الحكومية، دون شك، ستتفهم أن أي شيء مضر آخر قد يحدث ستكون كلفته أفدح حينما ينهار كل شيء في «نار جهنم».
التعليقات مغلقة.