الديبلوماسيات المعاصرة في مواجهة القضايا الإفريقية والدولية
الدكتور أحمد الدرداري؛ أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان:
بعد تناول الديبلوماسية بشكل أكاديمي و عام ، أصبح منذ بداية القرن العشرين يتم بشكل أوسع لمجرد تمثيل أو الإكتفاء بتمثيل الدولة الرسمي لأن الحديث بإسم الدولة الرسمية هو محدود المهام و لا يسمح معه بإلاجتهاد بينما الديبلوماسيةالموسعة ممكن أن تتجاوز تلك الأوامر و تلك الحدود و تلك القرارات الرسمية و بالتالي فشغلنا أو موضوعنا اليوم هو كيف نوسع من الأدوار الديبلوماسية للدول و كيف يمكننا أن نتقن التفاوض و نتناول مواضيع التي هي كانت بالأمس تعتبر شائكا ومعيقا لإستمرار العلاقات بين الشعوب و بين مكونات الدولة الواحدة و إنطلاقا من عمق المعرفة بإعتبار المعرفة وسيلة مهمة للإغناء و إنطلاقا من الدراية العميقة لتطور المسار الديبلوماسي للشعوب و الدول ،فإن القانون الديبلوماسي الدولي و القنصلية يحتاج إلى نظرة موسعة لاسيما و أننا نعلم أن الديبلوماسية و القنصلية الرسمية (بمعنى خارجية الدول و وقنصليات الدول وسفارات الدول ) أي التي تمثل الدول بشكل رسمي في المؤتمرات و المعاهدات والإتفاقيات .
وحينما يكون هناك منازعات فالديبلوماسية قد تتجاوز الإستعانة بهذه الأجهزة الرسمية لهذا إنطلقنا من مقولة روزفلت الشهيرة التي تقول . إن قدرنا هو أمركة العالم هذه المقولة تبين على أن الديبلوماسية هي قيم و أن الولايات المتحدة الأمريكية إنطلاقا من مقولة روزفلت فهي ستفرض قيما أمريكية في تناول و صناعة القرارات و المواقف شأن القضايا التي تتطلب الديبلوماسية أو تفاوض بين الدول و هي ثلاث قيم أولا قيم دينية و قيم أمريكية و قيم غير دينية،ومن هنا فمعلوم أن الديبلوماسية تفرضها أنماط الصراعات الموجودة بالعالم هناك صراعات إقتصادية و هناك صراعات سياسية ،صراعات حدودية هناك صراعات ثقافية، صراعات حقوقية … إلى غير ذلك ومعادلة التعاون بين الدول تفرض اللجوء إلى الديبلوماسيات المتنوعة و المختلفة لتناول الصراعات وإنهاء الصراعات و الخلافات و النزاعات فإذا تعارضت القيم في موضوع للتفاوض فإن الديبلوماسية تقف عند نقطة التضاد و نعطي مثال على ذللك إذ كان التفاوض حول السلام بالشرق الأوسط فحينما تكون إحدى الأ طراف المتفاوضة مسلحة و تريد أن تحافظ على سلاحها لمقابلتها لمفهوم السلام غالبا مايقف التفاوض عنده النقطة و تفشل المحاولة لتحقيق السلام فالتفاوض بناء على قيم علمية كونية حضارية مع لأطراف قيمهم متعارضة مع الحضارة مع الدين و مع الثقافة بالغالب لا تعطي أكلها و الديبلوماسية في التفاوض مثلا حول السلام غالبا تصل إلى الباب المسدود بينما باقي الخلافات إذا كانت إقتصادية أو حدودية فيمكن أن تكون لها حول، و ممكن أن تصبح العلاقة سارية عادية .و ذلك بسب كلما تعارضت القيم إلاوتظهر بشكل تعارض المصالح لماذا ؟لأن الديبلوماسية الموازية اليوم فرضت نفسها في المعاملات مع الدول حيث إتسعت رقعة المعاملات مع الشعوب وتشابكت المصالح و تداخلت فيما بينها و ليوسع الإتصال بين المكونات المختلفة للشعوب و الدول من هنا نطرح سؤال : كيف يمكن أن نستنظم الديبلوماسية الجديدة ؟وكيف يمكننا أن نؤهل جهاز الديبلوماسية الرسمي ؟وكيف يمكننا أن نؤطر كثير من قنوات التواصل مع الشعوب التي يمكن أن تؤدي مهام تخدم مصالح الدولة – مصالح البلاد – المصالح القومية – المصالح الوطنية و المصالح العليا و المصالح الإستراتيجية لأي دولة من حيت النوع هناك ديبلوماسية سيادية و هي التي تتحرك حينما يكون هناك مواقف للدول ،ولكن مواقف تتخد طابعا سياديا وللمغرب بظبط في هذا المجال ،والكل بعلم على أن موقف السويد الذي كان موقفا ضالما في حق المغرب وكان المدخل هو حقوق الإنسان، فقام وفد مغربي بزيارة السويد وتم إزلة موقف السويد إتجاه المغرب لأن الوفد إعتمد في الإقناع و في التفاوض على إلاتجاه السياسي الذي هو نفسه المتواجد أو مثيله الذي إتخد قرار ضد البلاد بحيث أن الأحزاب ،لها مواقف سياسية ،وإذا كانت المواقف السياسية قد إتخدها حزب من الأحزاب في أي دولة ،فإن حزب أخر يمكنه أن يتفاوض معه بناءا على مذهب إيديولوجي أو سياسي أو غير ذلك ،بينما الديبلوماسية الأخرى ،هناك ديبلوماسية دينية ،فمعلوم إمتداد ديني و روحي في إفريقيا مثلا، وأن الديبلوماسية الدينية هي دبلوماسية روحية راقية ،يمكن أن نتفاوض على قدرات الدول الدينية و الأخلاقية وأن تستمد من الدين الطاقة الإيجابية لتمرير رسالة أو موقف أو أن تقنع بناءا على معطيات دينية مهمة تصلح من خلالها لتغير الشخص أو الدولة مواقفه، ثم هناك ديبلوماسية أمنية و التي ظهرت مع تطور مفهوم الديبلوماسية،فالديبلوماسية الأمنية هي ذلك الشكل التعاوني في المجال الأمني وتبادل المعلومات والإقناع بالمقاربات و القدرات الأمنية التي تحتكم إليها السياسات الأمنية و يمكن للديبلوماسية الأمنية أن تتوسع وتصبح محورا مهما ديبلوماسيا، يصلح لكي تقارع من يعيش أزمة أمنية، أو من يعيش خللا أمنيا، أو من يعيش حالة من الانفلات الأمني، كما يمكن للديبلوماسية الأمنية أن ترفع الخوف و ترفع الاضطراب في النظم الأمنية للدول.
فالديبلوماسية الأمنية أصبحت اليوم محورا مهما ضمن محاور الديبلوماسية المعاصرة، بالإضافة أيضا إلى أن الديبلوماسية الأمنية هي ديبلوماسية مستمرة في الزمان والمكان بحيث أن الأمن لا يمكن أن يخلو بيتا ولا حيثا ولا يخلو مدينة ولا يخلو دولة.
وبالتالي فمحور الديبلوماسية الأمنية ممكن أن يكون سيد المحاور الديبلوماسية المعاصرة والبديلة لحل النزاعات، لأن الإلمام بالخطر بشكل استباقي يمكن أن يوجه الناس الي اتخاذ قرارات و مواقف مناسبة، درءا للاضطرابات و درءا للخطر الأمني و أيضا في المقابل عتقا للنفوس و الأرواح و أيضا لبناء ثقافة أمنية جيدة.
ثم هناك ديبلوماسية قضائية، ومعلوم أن الديبلوماسية القضائية تعتمد على مقاربات التعاون في المجال القضائي، بحيث أن تبادل المجرمين و تبادل الأحكام القضائية، وأيضا التعاون في مجال محاكاة الجرائم الدولية العابرة للحدود، أيضا ممكن للجهاز القضائي في كل الدول أن يفتح باب الديبلوماسية القضائية حتى لا يبقى هناك نقطة لا يمكن الوصول إليها في حياة الشعوب و البشر.
إذا الديبلوماسية القضائية هي أيضا ديبلوماسية جديدة و معاصرة ممكن أن تقوم على المستوى الخارجي بأدوار مهمة حيث هناك بعض الدول لديها امتداد أو ما يسمى بالاختصاص العالمي في تناول القضايا الجنائية مثلا.
ولكن لا يكفي فقط متابعة المجرمين على مستوى عالمية الاختصاص و إنما ينبغي أن تتبادل المدارس القضائية الخبرات وان تكون هناك مقاربة للتعاون بين هذه المدارس.
فالقضاء الانجلوسكسوني مثلا والقضاء الفرنكفوني والقضاء اللاثيني والقضاء الإسلامي ينبغي أن يكون هناك محور جديد في العمل القضائي حتى يمكن النهوض بالكثير من القضايا الشائكة على المستوى الدولي، والوصول إلى حلها بشكل تفاوضي قضائي ديبلوماسي راقي.
كما أن المغرب اليوم وله التجربة المهمة في المجال الديبلوماسي الرسمي، وأيضا ظهرت الديبلوماسية الموازية في دستور 2011، بحيث أصبح هناك ديبلوماسية جامعية وديبلوماسية مدنية، و ديبلوماسية إعلامية… كل الديبلوماسيات اليوم أصبحت ممكنة، فقط هناك تمييز بين ما هو رسمي و ما هو موازي أي غير رسمي، فهناك تجربة المغرب وتاريخ المغرب الديبلوماسي يؤشر على أن المغرب تاريخه عريق في هذا المجال، سواء فترة ما قبل القرن السادس عشر أو ما بعده أو على مستوى القرن العشرين و الواحد والعشرين فالمغرب كان قويا في علاقاته مع الدول، وكانت الوثيقة الديبلوماسية هي آلية و مؤسسة يعني قانونية تجري بين الدول، وقد سبق للمغرب أن راسل الدول في نزاعات عديدة، نزاعات بين الدنمارك والسويد، نزاعات بين بريطانيا وحكامها شارل الأول، نزاعات كثيرة…
وتاريخ الديبلوماسية المغربية عريق ومليء بكل الإنجازات والمجال الديبلوماسي. لذا يبقى المغرب له عمق ديبلوماسي في التاريخ، وعلاقة المغرب بالدول الأوروبية تشهد على ذلك من خلال المخطوطات ومن خلال الوثائق و من خلال البعثاث ومن خلال الارساليات.
بحيث ان المغرب تدخل في كل القضايا الدولية عبر التاريخ، وكان له بصمة ديبلوماسية قوية، وكانت ديبلوماسيته فاعلة، واليوم أيضاً فالمغرب وإن كان العالم يعيش عدة نزاعات وعدة قضايا، وأن استخدام القوة ممنوع في مجال النزاعات الدولية، لذا كما تلاحظون في الوحدة الترابية فإن المغرب يتفادى أن يتعاطى في حل نزاع الصحراء بالقوة، ولكن اللهم إلا إذا فرضتها ظروف لا مفر منها للدفاع عن النفس.
والنزاعات اليوم كلها تحتكم إلى التصرفات وإلى التداول و إلى التفاوض السلمي، لأننا مجبرين اليوم بالتنويع ديبلوماسيا و مجبرين اليوم بتقوية محاور الديبلوماسية سواءا المدنية أو السياسية أو الرسمية أو الاجتماعية أو الإعلامية وحتى الديبلوماسية الإلكترونية أيضاً هي ديبلوماسية أصبحت محط محور من محاور التعارف بين الشعوب و تسويق النقاش و مناقشة بعض المحاور والقضايا.
إذا اليوم يمكن القول على أن تسوية الخلافات خارج ما هو رسمي بين الدول يمكن أن يكون أيضا بديلا و مشجعا و مساعدا في حل الكثير من النزاعات كالطرق السياسية و الطرق القضائية و الطرق الأمنية و الطرق الإعلامية و الطرق المدنية و حتى الطرق المعرفية بمعنى الجامعة فالديبلوماسية الجامعية اليوم تصل إلى صدى المغرب، فالمغرب اليوم لا يعرف فقط عن طريق وزارة الخارجية بل يعرف أيضا عن طريق الجامعة و عن طريق الجمعيات و عن طريق الشخصيات وعن طريق النخب و عن طريق المادة الرمادية أي المعرفة و الفن و الرياضة فهناك ديبلوماسية رياضية و ديبلوماسية فنية و غير ذلك.
وبالتالي فتسويق القضايا الوطنية و الدفاع عنها ممكن أن يتم تشغيل كل الروافد الديبلوماسية البديلة لأن الزمن يتسارع، وهناك تسارع في الأحدات، ولكن ينبغي تنويع الآليات لأن مجلس الأمن لا يصبح هو المخاطب الوحيد لحل النزاعات و إنما هناك منظمات دولية و مكونات دولية جديدة ممكن أن تكون مساعدة في حل النزاعات و في تداول القضايا .