نسرين الغوش تكتب: “سياسي من درجة سائح”
نسرين الغوش:
السياسة و السياحة كلمتان منسجمتان على مستوى النطق لكنهما متباعدتان على مستوى الدلالة و المعنى. لكن الغريب في الامر هو ان كثيرا من السياسيين هم مجرد سياح يزورون الشأن العمومي من فترة إنتخابية الى اخرى كما يزور السائح مدينة تطوان الجميلة من الصيف الى الصيف.
ان السياحة التطوانية تعرف أزمة خانقة بسبب تداعيات أزمة كورونا الصحية لكن الغريب في الامر هو ان الفاعل السياسي لا يضيف شيئا ولا يغير من شيء فهو بمثابة زائر بدون فعل اي انه يزور فقط و يلاحظ و يلتقط سيلفيات من اجل توثيق مروره.
يعرف الاقتصاد التطواني خصوصا الشمالي عموما نوعا من الأزمة بسبب تداعيات الحرب الدبلوماسية المغربية الإسبانية وبسبب تداعيات أزمة كورونا. هذه الأزمة لا يمكن ان تخفى على احدهم وقد كان ابناء المغرب او بلغة شمالية ( الداخلية) ومعناه من يعيش داخل المغرب اي كل المدن التي تقع تحت مدينة العرائش. هذا الاصطلاح التطواني للغريب بالنسبة لهم كان يجلب للجميع مصدر رزق وكان يحرك عجلة الاقتصاد. لكن الاشكال يتجلى في ان هذه الأزمة الاقتصادية و القرارات السياسية الغير مفهومة ادت الى تقليص حجم السياحة الداخلية وبذلك تكلس عجلة الاقتصاد التطواني.
كل هذا يقع والسائح السياسي التطواني يطل علينا بعنترياته البعيدة كل البعد عن الواقع المأزوم والذي انفجر بشكل فاضح و بئيس في الهجرة الجماعية حين تم فتح معبر سبتة و المبكي حقا هو هجرة القاصرين الذين تتراوح اعمارهم بين 10 سنوات و 18 سنة اذ ان هذه الفئة القاصرة قانونيا لا تتحمل مسؤولية انجاح حياتها بل تنتظر من الأسرة و الدولة أن تقوم بهذا الدور الذي وضعت من اجله. وفي هذا الصدد استحضر حوارا لي مع سيدة تطوانية مثقفة و واعية اذ انها بادرتني بسؤال مفاجئ بعد قراءتها لاهم الملاحظات التي وضعتها في المقال السابق فطرحت سؤالها قائلة: لماذا تمارسون السياسة ان كان احد اطفالنا ينامون في الشارع؟ سؤال قدمته لي مواطنة على وسائل التواصل الاجتماعي بعدما قرأت ملاحظاتي حول الشأن السياسي التطواني.
بعدما طرح علي هذا السؤال تذكرت اهم قيمة دفعتني للمشاركة السياسية وهي قيمة التضامن. فمنذ بداياتي الاولى كنت اتضامن بشكل اخلاقي مع المحتاج و الفقير وظل ذلك التضامن مجرد حس اخلاقي تغذيه القيم المغربية التي تربينا عليها والتي تدفعنا بشكل دائم و متواصل للعطاء والبذل و التعاون. لكن بمجرد ما ستبدأ في مساعدة المحتاج و التضامن الفعلي معه فأنت حينها تحولت من منطقة الأخلاق إلى منطقة ممارسة الأخلاق بمعنى إلى منطقة السياسة.
فالسياسة في تعريفها العام تحيل الى كل فعل تضامني يقوم به الفرد من اجل خدمة مجتمعه و محيطه الذي ينتمي إليه. بمعنى تحويل الحس الاخلاقي المرهف الى فعل سياسي ميداني قائم بذاته.
ان الفعل الأخلاقي كفعل انساني يتحول إلى ممارسة سياسية حين تصبح ممارسة هادفة و فاعلة و ميدانية. هذا النهج السياسي هو الذي يجب أن نكرسه في صفوف شبابنا و نسائنا و ان يكون همنا الاساس قائما على ضرورة تخليق الحياة السياسية وجعلها حياة ذات معنى ويتجلى هذا المعنى في تربية ابناءنا خير تربية و اعطاءهم كل الممكنات التي تسمح لهم بالنجاح والابداع. هذا الهدف لن يتأتى لنا كسياسيين ونحن نمارس السياسة كسياحة بل سنحصل عليه حين سنمارس السياسة التزام اخلاقي مواطن.