الخروبي يكتب حول “شغب جمهور الوداد وترسيخ الصور النمطية حول سكان العروبية”

0

بقلم حمزة الخروبي

إن ما حدث في شوارع وأزقة تطوان يوم الثامن من يناير لم يكن مجرد سلسلة جنح وجرائم ارتكبها عشرات المشجعين الوداديين بغية السطو والتخريب… بل كان ذلك ضربة موجعة لثقافة المواطنة وكل تلك القيم التي ذكرنا بها المنتخب المغربي بكأس العالم. سارعت وسائل التواصل الإجتماعي بالتنديد والتعبير عن الرفض، منتشية بمحتوى جديد ينعش حسابات الإنستغرام، ويكسر الجمود الذي ساد المنصات بعد بهرجة كأس العالم، وإنفجار الغاز بالمحمدية. فتنوعت المنشورات بين طائفتين، فالأولى تعاتب الجامعة المغربية لتساهلها مع الجمهور الودادي بالرغم من أن هذه الأحداث لها سوابق. والثانية توجه أصابع الاتهام ”للعروبية” وهو ما يسمي به كثير من الشماليين سكان المدن الداخلية تنميطا لعدم تحضرهم. إن أقل ما يمكن قوله عن هذه الأحداث، هو أنها تعرية لمجموعة من الظواهر الاجتماعية التي لا يجب الاقتصار على رؤيتها من السطح. فظاهرة الشغب في الملاعب وخارجها ليس بالأمر الجديد، ولا تحضر في مناسبتنا وحسب، بل تراها في لندن ونيويورك وباريس أيضا. فلماذا يعتبر الكثيرون أن هذه الأفعال هي جزء من ثقافة العروبية/الداخلية؟ وكيف يجب التطرق للأمر؟

لا يختلف إثنان في كون ساكنة تطوان تعتبر من أكثر المواطنين إحتراما لقوانين السير والنظافة العمومية بالمغرب. ويعود ذلك لثقافة محلية ذات تاريخ عريق يعود للموريسكيين، فعائلات تطوان التي تنحدر من زمن الإستعمار أو قبله، لا زالت تعرف إلى اليوم بسلوكاتهم التي تميل إلى الرقي والإحترام البالغ لخصوصيات الآخرين. وكما يظهر جليا في روايات الأديب التطواني د.محمد أنقار (1946-2018) فحتى ساكنة الأحياء الهامشية بمدينة تطوان، كانو – ولا يزالون – يولون إهتماما كبيرا لهندامهم ويفتخرون بسلوكهم الحضاري لعقود مضت.

كل سنة، يختار عشرات آلاف المغاربة المدن الشمالية لقضاء عطلة الصيف، فلا تجد من يتحدث بلهجة الشمال إلا نادرا، وترى بحر مرتيل يسبح في البشر، وليس العكس. ويشكل هذا الرواج بموسم الصيف في الشمال، مدخل معاش الآلاف من ساكنة تطوان ومرتيل والأقاليم المجاورة. غير أن الكثير من الشماليين على وجه العموم، والتطوانيين على وجه الخصوص، يعبرون عن استيائهم عن بعض السلوكات التي يقوم بها السياح الداخليون في اعتنائهم بدور الكراء، نظافة الشوارع، السياقة المتهورة… ويصنفونهم بمصطلح ”العروبية” الذي يعني في الدارجة المغربية سكان الأرياف.

والسخرية في التسمية، هي أن الرباط والدار البيضاء والنواحي هي مدن أكبر وتتوفر على خدمات حضرية أفضل، وبالرغم من ذلك، لايزال الكثير من التطوانيين يسمونهم ب”العروبية”، وهو ما – بكل تأكيد- يولد نوعا من الشعور بالتفوق والتمييز الديموغرافي عند التطوانيين، وهو ليس بالأمر الجيد إذا شاهدناه من وجهة نظر سوسيولوجية.

تتركب لدى الكثير من التطوانيين إذن، صور نمطية عن كل سكان المدن الداخلية، صور تقوم بإسقاط صفات الهمجية وغيرها من الصفات السلبية على كل من يتحدث بلهجة كازاوا شبيهاتها… وهذه الصور تعود اليوم لتغزو منصات التواصل الاجتماعي بسبب السلوك الهمجي الذي خلف ضحايا كثر بتطوان. وهو ليس مشكلا يجدر بنا النظر إليه بنظرة سطحية فقط، بمعاقبة الجناة والإعتدار لتطوان فقط، بل إنه إشكال إجتماعي متجذر، يهدد تماسك المجتمع ويفتح الباب للعنصرية وغياب الثقة المبنية على الأصل الجغرافي. إنها لإشكالية وجب التطرق إليها بمقاربات سوسيوثقافية حكيمة ذات رؤية وأهداف واضحة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.