الكويرة يكتب: “التعليم الشامل للأطفال ذوي الإعاقة: نحو مجتمع أكثر إنصافًا واندماجًا”
ذ. محمد الكويرة العمراني
في أحد أحياء مدينة تطوان، وتحديدًا في حي الطويلع، تتردد أصوات الضحكات واللعب في الأرجاء. إنها فترة الاستراحة في مدرسة فاطمة الزهراء الابتدائية. في ساحة المدرسة، وبين الأطفال الصغار، يوجد أسعد، البالغ من العمر 14 عامًا، والذي يعاني من إعاقة مركبة (ذهنية وحركية). يدرس أسعد في الصف الثالث الابتدائي في فصل “عادي” من الساعة التاسعة صباحًا حتى الواحدة ظهرًا، يستمع إلى معلمته ويحرز تقدمًا وفقًا لسرعته الخاصة، قبل أن يلتحق بإحدى الجمعيات لتلقي متابعة أو رعاية شبه طبية (نطق، نفسية، حركية…) والمشاركة في أنشطة بعد المدرسة.
تقول والدته بفرح: “ابني الذي كان بالكاد يتحدث، أصبح ينطق بشكل أفضل. لا يمكنك أن تتخيل مدى سعادتي برؤيته يتبادل الحديث واللعب مع زملائه الصغار في الفصل. لقد تطور المعلمون أيضًا في التعرف عليه وفهمه، وهم يحبونه كثيرًا.”
وفقًا لإحصاءات وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، تم دمج أكثر من 90,000 طفل في وضعية إعاقة في فصول “عادية” في سنة 2021. ووفقًا للمندوبية السامية للتخطيط، كان عددهم 69,300 في عام 2014 من بين 231,000 في سن التعليم (4-15 سنة). وتأتي هذه الزيادة مدفوعة بالبرنامج الوطني للتعليم الشامل الذي أطلق سنة 2019، والذي يندرج في إطار استمرارية الجهود التي تبذلها الوزارة الوصية والالتزامات التي تعهدت بها البلاد، لا سيما من خلال التصديق على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في أبريل 2009.
إن حق التمدرس هو حق أساسي وعالمي. فقبل سنة 2019، كان بإمكان الأطفال في وضعية إعاقة الالتحاق بفصل “عادي” أو أقسام الإدماج المدرسي التي تضم فقط الأطفال الذين يعانون من نفس نوع الإعاقة. تم تسجيل 700 فصل مندمج في الابتدائي على مستوى التراب الوطني في سنة 2017، بالإضافة إلى المراكز المتخصصة التي تديرها غالبًا جمعيات المجتمع المدني. على الرغم من هذه الفرص، كانت هناك صعوبات كبيرة في تسجيل هؤلاء الأطفال في المدارس. وتتعدد الأسباب، مثل مشاكل التكيف التربوي، والعداء تجاه هؤلاء الأطفال سواء من زملائهم في الفصل، أو من أولياء الأمور، أو من المعلمين، أو من مديري المؤسسات التعليمية، بالإضافة إلى مشاكل الوصول، والصحة، والتمويل.
وقد خلص المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (الهيئة الوطنية للتقويم، 2019)، في تقريره الموضوعاتي حول “تقييم نموذج تربية الأطفال في وضعية إعاقة، نحو تربية دامجة”، إلى أن وضعية تعليم الأطفال في وضعية إعاقة هي نتاج لمجموعة من العوامل والاختلالات. همت هذه العوامل صعوبة الولوج لمختلف أسلاك ومسارات التعليم، كما بيّن نفس التقرير أن المغرب سجل تأخرًا في تيسير ولوج آلاف الأطفال في وضعية إعاقة لمنظومة التربية والتكوين مقارنة مع العديد من الدول المجاورة.
وأكد التقرير أيضًا أن الأشخاص في وضعية إعاقة يشكلون الفئة الاجتماعية الأقل استفادة من الخدمة التربوية والتكوينية، وأن الأكثر عرضة للإقصاء والتمييز بشكل صارخ هم الإناث ذوات الإعاقة، والمقيمون في الوسط القروي ضمن فئة المتمدرسين منهم. هناك كذلك فئات محددة داخل الأشخاص في وضعية إعاقة يعانون من تمييز إضافي يضاعف من إقصائهم عن مجال التعليم، مثل الأطفال الذين يعانون من إعاقة سمعية، أو صعوبة في الإدراك والفهم والتواصل، أو التوحد.
أهمية تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة
يُعد موضوع تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة أمرًا مهمًا للمجتمع ككل، باعتباره ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة والشاملة. يضمن التعليم لهذه الفئة حصولهم على حقوقهم الأساسية التي تمكنهم من الاندماج في المجتمع، وبناء علاقات اجتماعية وتكوين هوية خاصة بهم، مما يعزز ثقتهم بأنفسهم ويقلل من العزلة الاجتماعية. كما يساهم تعليم الأطفال ذوي الإعاقة في تطوير قدراتهم ومهاراتهم، مما يجعلهم أعضاءً فاعلين في المجتمع، ويحققون استقلاليتهم.
بارتباط التعليم بتحسين نوعية حياة الأفراد، تزداد فرص الأشخاص في وضعية إعاقة الذين استفادوا من الولوج لفصول الدراسة في الحصول على عمل لائق يعزز استقلاليتهم المالية. ويساهم هذا النوع من الاستقلالية في تغيير النظرة المجتمعية تجاه الإعاقة، ويعزز القبول والاحترام المتبادل بين الأفراد.
الفوائد التي تعود على الطفل ذي الإعاقة من خلال إدماجه في العملية التعليمية التعلمية
- التطور المعرفي: يساعد التعليم على تطوير مهارات التفكير والإبداع وحل المشكلات.
- التطور اللغوي: يساهم التعليم في توسيع مفردات الطفل وتحسين مهارات التواصل لديه.
- التطور الاجتماعي والعاطفي: يتعلم الطفل من خلال التفاعل مع أقرانه والمعلمين، مما يعزز مهاراته الاجتماعية والعاطفية.
- التطور الحركي: قد تساعد بعض البرامج التعليمية على تطوير المهارات الحركية لدى الأطفال ذوي الإعاقة.
التحديات والعوائق
تواجه عملية إدماج الأطفال في وضعية إعاقة في المدارس العديد من العوائق والتحديات، التي تؤثر بشكل مباشر على فرص حصول هؤلاء الأطفال على تعليم جيد واندماجهم في المجتمع. من بين أهم هذه العوائق:
عوائق مرتبطة بالمؤسسة التعليمية:
- نقص الموارد: غياب الموارد المالية والبشرية الكافية لتوفير خدمات تعليمية مناسبة للأطفال ذوي الإعاقة، مثل المعدات والأدوات التعليمية المتخصصة، ووجود كوادر تعليمية مدربة.
- عدم كفاية البنية التحتية: عدم توفر بيئة مدرسية مناسبة للأطفال ذوي الإعاقة، مثل وجود مصاعد ومداخل واسعة للأطفال ذوي الإعاقة الحركية، أو غرف حسية للأطفال ذوي الإعاقة السمعية أو البصرية.
- نقص التكوين والتدريب: غياب برامج تدريبية مستمرة للمعلمين حول كيفية التعامل مع الأطفال ذوي الإعاقة وتلبية احتياجاتهم التعليمية.
- المناهج الدراسية: عدم ملاءمة المناهج الدراسية واحتياجات الأطفال ذوي الإعاقة، وعدم وجود مرونة في تطبيقها.
- المواقف السلبية: وجود مواقف سلبية تجاه الأطفال ذوي الإعاقة من قبل بعض المعلمين والإداريين والمتعلمين الآخرين، مما يؤثر على نفسية الطفل واندماجه.
عوائق مرتبطة بالأسرة:
- الخوف والقلق: يشعر بعض الأهل بالخوف والقلق بشأن قدرة أبنائهم على التعلم والاندماج في البيئة المدرسية.
- نقص المعلومات: قد يفتقر بعض الأهل إلى المعلومات الكافية حول حقوق أطفالهم وخدمات الدعم المتاحة لهم.
- صعوبات اقتصادية: قد تواجه بعض الأسر صعوبات اقتصادية تمنعهم من توفير الدعم اللازم لأطفالهم ذوي الإعاقة.
عوائق مرتبطة بالمجتمع:
- المواقف النمطية: وجود نظرة سلبية والتعامل باعتماد مقاربة إحسانية تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع بشكل عام.
- نقص الوعي: نقص الوعي بأهمية التعليم الشامل وحقوق الأطفال ذوي الإعاقة.
- الحواجز البيئية: وجود حواجز بيئية تمنع الأطفال ذوي الإعاقة من الوصول إلى المدرسة أو المشاركة في الأنشطة المجتمعية.
الخلاصة
إن قصة أسعد، الطفل الذي يعاني من إعاقة مركبة وتمكنه من الاندماج في بيئة مدرسية عادية، هي مثال حي على أهمية التعليم الشامل. التعليم حق أساسي لكل طفل، بغض النظر عن قدراته، وهو شرط ضروري لبناء مجتمع عادل ومتساوٍ. ورغم التقدم المحرز في مجال دمج الأطفال ذوي الإعاقة في المغرب، إلا أن هناك العديد من التحديات التي ما زالت تحول دون تحقيق هذا الهدف، مثل نقص الموارد، وعدم كفاية البنية التحتية، وقلة الوعي المجتمعي. هذه التحديات تتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، بدءًا من الحكومة التي عليها توفير الموارد اللازمة وتطوير السياسات الداعمة، وصولًا إلى المدارس والأسر والمنظمات غير الحكومية التي يجب أن تلعب دورًا فعالًا في دعم هذه العملية.
عملية دمج الأطفال ذوي الإعاقة في المدارس ليست مجرد واجب أخلاقي، بل هو استثمار في مستقبل المجتمع. فمن خلال توفير بيئة تعليمية داعمة، وتدريب المعلمين، وتغيير النظرة المجتمعية، يمكننا ضمان حصول جميع الأطفال على فرص متساوية في التعليم. كما أن هذا الدمج يساهم في تطوير مهارات الأطفال ذوي الإعاقة وزيادة ثقتهم بأنفسهم، مما يجعلهم أعضاءً فاعلين في المجتمع.
في الختام، إن تحقيق التعليم الشامل للأطفال ذوي الإعاقة يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، وتغييرًا جذريًا في النظرة المجتمعية تجاه الإعاقة. فمن خلال العمل معًا، يمكننا بناء مجتمع أكثر شمولية وتوفير فرص تعليمية متساوية لجميع الأطفال، بغض النظر عن قدراتهم أو تحدياتهم.
التعليقات مغلقة.