عزيزتي المرأة.. لا تتمنعي وأنت “راغبة”!

0

كثيرا ما تتردد هذه العبارة على لسان الرجال والنساء على حد سواء في توصيف العلاقة بين الرجل والمرأة “يتمنعن وهن راغبات”. ورغم أن سياق هذه المقولة المكذوبة عن سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه جاء في سياق العلاقة الحميمة كما يفسر الكثيرون، إلا أنها كانت ولا تزال تمثل جزءا راسخا من نظرة الإنسان العربي إلى مفاهيم الرجل والمرأة وعلاقتهما ببعضهما البعض، كما يستمد منها تكتيكات وتحليلات لفلسفة هذه العلاقة وقواعد سلوكية يتبناها كلا الجنسين في تعاملهما مع بعضهما البعض.

فالمرأة صدقت أن عليها أن تتمنع عن الرجل، لا كفن من فنون الإغراء فقط، بل كقاعدة عامة مع أي “طالب للقرب”. وعوضا عن مقابلة محاولات التودد أو التقرب التي يبادر بها الرجل ببوادر موافقة من قبل المرأة هي الأخرى، عندما تكون فعلا راغبة به، فإن ردود أفعال غريبة وعجيبة تصدر عن المرأة تجاه الرجل “الموافق عليه” من باب “التمنع الموصى به”. فيصير الرفض عنوانا للموافقة، والجفاء علامة على القبول، والفظاظة هي ملاطفة مغلفة.

الغريب في الأمر أن الرفض قد لا يكون إلا دلالة على الرفض الفعلي، والجفاء قد يعبر عن الجفاء حقا، والفظاظة هي أسلوب لإظهار النفور الحقيقي. فكيف تكون سلوكيات متطابقة دليلا على شعورين على النقيض من بعضهما البعض؟ وبأي حال تستطيع المرأة العاقلة أن تعبس في وجه من تحب بذات الطريقة التي تعبس بها بوجه من تبغض؟ وكيف تُترك مهمة التفسير الصعبة هذه إلى الرجل المسكين دون أن يكون لديه ما يعينه عليها غير التنبؤ الأعمى أو المضي في هدر الكرامة في محاولات جديدة؟

وحين تظن المرأة أنها بهذه الطريقة تصبح صعبة المنال بالنسبة للرجل الطالب وبالتالي يزداد توقه إليها وتعلو قيمتها في نظره، فإنها قد تكون مخطئة في كثير من الحالات، فإن من بين الرجال من هو عزيز النفس، متوازن النفسية، والرفض بالنسبة له يعني الرفض، بدون الحاجة أية تفسيرات بهلوانية أو جلسات كشف الطالع لمعرفة النية الحقيقة لدى المرأة من خلف تمنعها، وبذلك تكون المرأة قد فوتت على نفسها رجلا هوى إليها قلبه أو رأت فيه شريكا مناسبا.

كما أن الرجل الذي تستهويه لعبة التمنع هذه أو تحلو في نظره المرأة التي ترفضه فقط لأنها رفضته فهو رجل أقرب إلى الطفولة منه إلى النضج، كالطفل الذي يشتهي اللعبة التي على رفوف المتجر فقط لأن يده لا تطولها. وإن رجلا كهذا ستفد هذه اللعبة قيمتها بمجرد الحصول عليها وسيحلو له اشتهاء غيرها، هذا لو قبلنا ابتداء بانطباق مثل هذه التشبيهات على علاقة من المفروض أن تكون أكثر تعقيدا ونضجا كعلاقة الرجل بالمرأة.

التمنع والتفنن في الرفض والتلذذ بهذه الممارسات السادية العاطفية أو على أقل تقدير الطفولية الساذجة ينم عن تصور غير ناضج للمرأة عن نفسها هي وعن الرجل وعن طبيعة علاقتهما، لا تلام عليه بقدر ما تلام عليه الثقافة السائدة وكل من يساهم في ترسيخها.

سيدتي، لو تقرب إليك رجل بقصد الزواج، وكان مستحقا لإعجابك القلبي وقناعتك العقلية به فإن المبادرة بإظهار الموافقة لن تنقص أبدا من قيمتك في عينه، وستوفر عليكما معا مرحلة زمنية مرهقة جدا من الإذلال وهدر الكرامات والتلاعب بالمشاعر والقلق النفسي المتبادل خشية ردود الأفعال غير المتوقعة أو الحيرة بشأن التفسيرات غير الواضحة.

بادري بإعلان قبولك بكل أريحية كأي إنسان يسمو على خرافات ثقافته السائدة ويعرف تماما ما يريد ويحترم الشخص المقابل له، ولو رأيت من الطرف الآخر أي مظهر من مظاهر الاستخفاف بقبولك أو اعتباره علامة على “دنو قيمتك” فإن ذلك سيكون من حسن حظك لتمكنك من اكتشاف جوهر الشخص المقابل بسرعة وعند أو امتحان، فتستطيعين بذلك تجنب المرور بتجربة غير محبذة مع شخص لديه بعض المشاكل النفسية العالقة.

أخي الرجل، وكوسيلة لمكافحة هذه الثقافة الطفولية، أنصحك بإعلان رفضك لمثل هذه الممارسات من قبل المرأة دون إشغال نفسك بدوامة التفسيرات المتناقضة لسلوكيات “التمنع”. ومن جهة أخرى عليك أن تقابل أن مبادرة بالموافقة من قبل المرأة كعلامة على النضج والاحترام والوضوح دون أن تنحدر إلى التقييم الجائر لهذا الوضوح أو نعته بـ”الخفة” ودنو القيمة.

ولعل للأمر بعدا آخر أكثر خطورة يتمثل بترسيخ النظرة الدونية للمرأة، و سلبها حق قول “لا” في المجتمعات التي تنتشر فيها مثل هذه الثقافة. إن أي “لا” حقيقة تصدر من المرأة عند محاولة التقرب منها قد يتم تفسيرها جراء هذه الثقافة المترافقة مع تقدير متضخم للذات من قبل الرجل بإنه “تمنع الراغبة”، والذي سيقابل بمزيد من الإلحاح المزعج على أمل الوصول أخيرا إلى إظهار القبول الضمني المزعوم، ولعل هذه ما سعى بالحكومة الألمانية إلى إصدار قانون “لا تعني لا” عام 2016 بهدف حماية المرأة من التحرش الجنسي، خاصة مع كثرة الوافدين القادمين من ثقافة “يتمنعن وهن راغبات”.

عزيزتي المرأة، إن عدم تمنعك وأنت راغبة سيجعل “لا” التي تنطقين بها تعني “لا” فعلا، كما أنه سيجعلك أكثر احتراما لنفسك ولإرادتك الحرة بالخروج من قوالب جاهزة ساذجة وضعتك فيها ثقافة تحتاج إلى إعادة النظر، وسيجعلك أكثر احتراما لنظيرك الرجل بكفايته عناء هدر كرامته أمامك والغرق في مطاردة تفسيرات “تدللك” المتناقضة. فهل ترين معي أن الأوان قد آن بالفعل لقلب الطاولة على هذا المفهوم المثير للعجب؟ وهل ترى أخي الرجل أن بوسعك أنت أيضا أن تكون جزاء من هذا التغيير نحو علاقة أكثر نضجا؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.