“أبينوم Appinum” المدينة الضائعة في ثنايا الأرشيف الأجنبي
- ياسين أغلالو؛ باحث في تاريخ شفشاون:
سكتت المصادر العربية والمغربية عن أخبار شفشاون ما قبل سنة 1471م، إلا أن العديد من المرويات الشفوية من أساطير وخرفات، تؤكد على أن شفشاون عرفت استقرار الإنسان فيها منذ العصور البائدة، بالإضافة إلى أن إسم شفشاون، والمناطق المجاورة لها، تؤكد استيطان البربر بها في عصور ما قبل الفتح الاسلامي، وهو ما يفسر وجود العديد من الأسماء الأمازيغية بهذه المنطقة (تلاسمطان، إمهرشن، ماكو، تاوراغين، أمكري…الخ)، وعن تاريخ هذه المنطقة ما قبل نشأة الامارة الراشدية، تذهب العديد من الآراء إلى القول أن مدينة شفشاون بنيت على أنقاض مدينة رومانية تدعى “أبينوم Appinum “، كانت هذه المدينة حسب المرويات مدينة عامرة مأهولة بالسكان، لكن باتت مدينة مجهولة الموقع أو بالأحرى ضائعة، إما بسبب حروب، أو كوارث طبيعية، أو تغير مناخي منذ سنوات طويلة جداً.
إذا كنت في مزاج يسمح لك باستكشاف سر المدينة الضائعة، فإليك بعضا من الاشكالات التي تطرح حول هذه المدينة، في البداية لا توجد أي أثار لأبينوم، ما عدا ما صوره قلم كل من “عبد القادر العافية”، في “الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية بشفشاون واحوازها”، وعبد العزيز بن عبد الله” في “المعجم التاريخي”، ومجلة المناهل، العدد 28، تحت عنوان “شفشاون وآثارها عبر التاريخ”، على كون مدينة شفشاون الحالية هي تجديد لمدينة رومانية كانت تدعى أبينوم، أو تجديد لمدينة أخرى كانت توجد بجوارها، وقريبة من موضعها الحالي، كانت تسمى “البليدة”، وما زالت بعض أسوار البليدة قائمة إلى يومنا هذا، والمكان يسمى حاليا “بقاع الدشر”، فيما ذهبت بعض الأقلام الأخرى إلى القول :أن هنالك آثار عتيقة ترجع للعهد الروماني مثل قنطرة (تلمبوط) ومدشر (ماكو) في شرق مدينة شفشاون، أما صاحب كتاب “وصف افريقيا” لصاحبه “حسن الوزان”، أنا في جبل تيزرن –تيزيرا- (يبعد بحوالي 67 كلم عن مدينة شفشاون) يظهر فيه آثار بناء قديم أرجعه إلى صنع رومان .
لكن المتمعن في كل هاته الروايات يقف على جملة من الاستفهامات : هل فعلا مدينة شفشاون الحالية بنيت على أنقاض مدينة رومانية، وأطلق عليها اسم “أبينوم”؟ وأين يوجد موقعها؟ أما أن الأمر لا يعدو أن يكون فقط رواية سقطت سهوا في ذاكرة شفشاون.
الباحث عن “المدينة الرومانية أبينوم” يقف على مسألة مهمة وهي أنا الرومان لم يؤسسوا إي مدينة في المغرب فمدن ک ولیلي VOLUBILIS، و طنجیس TINGIS، و تمودة TAMUDA ، وليكسوس LIXUS، وغیرها من المدن یعود انشائها للموریین المغاربة. أما الرومان و کما هو معلوم فقد قاموا بالبناء علی المدن الموریة المشیدة سلفاً و لم یُنشئوا مدناً قَط بالمغرب. فيما الإشكال الثاني والجوهري، هو أنا المدن المورية القديمة بعد أن بنيت على أنقاضها حصون رومانية تتميز بخصائص طبيعية تختلف عن طبيعة الموقع الجغرافية لمدينة شفشاون الحالية، فنجد وليلي، وطنجيس، وتمودة … الخ، كانت ذات وسط منبسط خصب، فليكسوس بنية على الضفة اليمنى لوادي اللوكوس من المدخل الشمالي للعرائش فوق هضبة تسمى “التشوميس” مطلة على الساحل الأطلسي على علو 80 مترا، وتقدر مساحتها من 75 هكتار، أما مدينة “تمودة” والتي تقع خارج أسوار مدينة تطوان، بالجهة الجنوبية وبالقرب من الضفة اليمنى لوادي مرتيل، والتي يرجح أنها بنيت في القرن الأول قبل الميلاد، قبل أن تتحول لمعسكر للرومان، وكانت هذه الأخيرة تصنف حسب قول “مصطفى غطيس” في كتابة “تمودة” من بين أهم المراكز التجارية في البحر الأبيض المتوسط، نظرا للنشاط الحضري البشري والإقتصادي المهم الذي عرفته، والملاحظ أن تمودة انتصبت في موقع جغرافي واستراتيجي مهم وملائم لتطور حاضرة كبرى، وسط سهل واسع، بالإضافة إلى خصوبة التربة ووفرة المياه وكذا صلاحية واد مرتيل للملاحة في تلك الفترة، إضافة إلى توفر مواد البناء في المرتفعات المجاورة، كما نجد مدينة “وليلي” أو مدينة “فولوبيليس” المركز الإداري لمملكة موريتانيا، تقع على ارتفاع 400 متراً على سهل ثلاثي الشكل، وكانت المدينة محاطة بحقول خصبة، وبمزارع لأشجار الزيتون، ومياه عذبة جارية طوال أيام السنة لقربها من منابع طبيعية عدة (واد فرطاسة ووادي الخمان). كل هذه المدن المورية (وفي ما بعد الرومانية) تتميز بخصائص الجغرافية لا تتوفر عليها مدينة شفشاون الحالية، والتي تحيط بها سلسلة جبال الريف من كل جهة، وذات التضاريس الصعبة والانحدارات المفاجئة والأودية المنخفظة والانكسارات الحادة فضلا عن كثرة الصخور الكلسية والجيرية والصلصالية، كما تقع المدينة الحالية على علو 600م عن سطح البحر.
وهو الأمر الذي يجعلنا نستبعد أن تكون مدينة شفشاون الحالية بنيت على أنقاض المدينة الضائعة أبينوم، لكن هناك فرضيتين ينبغي عدم تجاوزهما حول موضع ابينوم، الأول هو ما ذهب إليه بعض الباحثين، وخصوصا “عبد القادر العافية”، أن هذه المدينة كانت توجد تحت قرية غاروزيم التي شيدها سيدي بوجمعة، ويرجع ذلك على حسب قوله إلى وجود آثار في ذلك الموضع، وهو الأمر الذي لا يمكن أن نستبعده، في غياب الدراسات الاركيولوجية، والتي يمكن أن تؤكد أو تنفي هذا الطرح، باعتبارها الطريقة الوحيدة لمعرفة أحداث ما قبل نشأة الأمارة الراشدية. فيما الطرح الثاني هو كون مدينة أبينوم قد تكون تتواجد في حدود إقليم شفشاون الحالي، حيث هناك مجموعة من الآثار بالمراكز الساحلية لقبائل غمارة، والتي ترجع للعصر الروماني، تؤكد أن المنطقة تعرضت لغزو روماني أدى إلى استيطان بها لسنوات طويلة وربما لقرون. وقد أسسوا بها مجموعة من المستوطنات، لا شك أنها قامت على أنقاض المدن الصغيرة، كتارغاز Tagasa أي تاغسا، أو منطقة الجبهة، والتي كانت توجد بها أطلالا من حصن روماني بارز بالقرب من مرسى أورينكا.
خلاصة القول لاكتشاف موضع مدينة إبينوم لابد من الإعتماد على الدراسات والأبحاث الاركيولوجية، وفي حالة اكتشاف هذه المدينة، سيتغير مجرى تاريخ المنطقة، وستكون نتائجها مفاجئة، ليس فقط على مستوى إقليم شفشاون بل على المستوى الوطني والدولي.